وأجيب عن الأول بما سبق.
وعن الثاني : بأنا لا نشترط في المكلف به أن يكون متعلق القدرة بالفعل ، بل بالإمكان كإيمان الكافر دون خلق الأجسام.
وعن الثالث بمنع تماثل القدرتين).
اختلفوا في أن الاستطاعة أي القدرة الحادثة على الفعل تكون قبله ، أو معه.
فذهبت الأشاعرة وغيرهم من أهل السنة إلى أنها مع الفعل لا قبله ، وأكثر المعتزلة إلى أنها قبل الفعل ثم اختلفوا في أنه هل يجب بقاؤها إلى حالة وجود المقدور ، لنا وجوه (١) :
الأول : أن القدرة عرض ، والعرض لا يبقى زمانين ، فلو كانت قبل الفعل لانعدمت حال الفعل ، فيلزم وجود المقدور بدون المقدرة ، والمعلول بدون العلة ، وهو محال ، ولا يرد النقض بالقدرة القديمة لأنها ليست من قبيل الأعراض ، وأجيب بعد تسليم امتناع بقاء العرض بأن المحال هو وجود المعلول بدون أن يكون له علة أصلا ، واللازم هو وجوده بدون مقارنة العلة بل مع سبقها ، واستحالة ذلك نفس المتنازع ، ولو سلم فيجوز أن تنعدم القدرة ، ويحدث مثلها فيكون لها بقاء بتجدد الأمثال على الاستمرار في حال الفعل كما هو شأن العلم ، والميل والتمني ، ونحو ذلك مما لا نزاع في جواز سبقها على
__________________
(١) يقول ابن حزم مناقشا فرق المعتزلة في قولهم : إن الاستطاعة كلها ليست إلا قبل الفعل. أخبرونا عن الكافر هل يقدر قبل أن يؤمن في حال كفره على الإيمان قدرة تامة أم لا؟ وعن تارك الصلاة هل يقدر قدرة تامة على الصلاة في حال تركه .. الخ فإن قالوا نعم هو قادر على ذلك كابروا العيان وخالفوا المعقول والحس وأجازوا كل طاقة من كون المرء قاعدا قائما معا ، مؤمنا بالله كافرا به معا ، وهذا أعظم ما يكون من المحال الممتنع. وإن قالوا : لا يقدر قدرة تامة يكون بها الفاعل للشيء هو فاعل لخلافة قالوا الحق ورجعوا إلى أنه لا يستطيع أحد استطاعة تامة يقع بها الفعل حتى يفعله.
(راجع الفصل في الملل والأهواء والنحل ج ٣ ص ٣٥).