عبارة القانون (١) في التعريف الثاني ، وأوضح منه عبارة الشفاء لأن اللام أوضح في التعليل من الباء ، وهي من عن. فاندفاع الاعتراض عنها في غاية الظهور. والإمام إنما أورده على العبارة الأولى فما ذكر في المواقف أن الصحة ملكة أو حالة تصدر بها الأفعال عن الموضوع لها سليمة. وأن الإمام أورد عليه هذا الاعتراض ليس على ما ينبغي وأما المرض فقد عرفه ابن سينا بأنه هيئة مضادة للصحة أي ملكة أو حالة (٢) تصدر عنها الأفعال عن الموضوع لها غير سليمة ، وذكر في موضع من الشفاء (٣) أن المرض من حيث هو مرض بالحقيقة فهو عدم محض (٤) لست أعني من حيث هو سوء (٥) مزاج أو ألم ، وهذا مشعر بأن بينهما تقابل الملكة والعدم ، ووجه التوفيق بين كلاميه على ما أشار إليه الإمام ، هو أن الصحة عنده هيئة هي مبدأ لسلامة الأفعال ، وعند المرض تزول تلك الهيئة ، وتحدث هيئة هي مبدأ للآفة في الأفعال ، فإن جعل المرض عبارة عن عدم الهيئة الأولى وزوالها فبينهما تقابل العدم والملكة ، وإن جعل عبارة عن نفس الهيئة الثانية فتقابل التضاد ، وكأنه يريد أن لفظ المرض مشترك بين الأمرين أو حقيقة في أحدهما ، مجاز في الآخر ، وإلا فالإشكال بحاله. وقيل المراد أن بينهما تقابل العدم والملكة بحسب التحقيق وهو العرف الخاص على ما مر أو تقابل التضاد بحسب الشهرة ، وهو العرف العامي لأن المشهور أن الضدين أمران ينسبان إلى موضوع واحد ، ولا يمكن أن يجتمعا كالزوجية والفردية لا بحسب التحقيق ليلزم كونهما موجودين في غاية التخلف تحت جنس واحد قريب (٦) وقد صرح بذلك
__________________
(١) كتاب القانون : للشيخ الرئيس أبي علي حسين بن عبد الله المعروف بابن سينا المتوفى سنة ٤٢٨ ه. وأوله الحمد لله حمدا يستحق بعلو شأنه. وقد تكلم فيه في الأمور العامية الكلية في قسمي الطب أعنى النظرى والعملى ، ثم تكلم في كليات أحكام قوى الأدوية ثم في الأمراض ، وقد شرحه الإمام فخر الدين الرازي ، وقطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي.
(راجع كتاب كشف الظنون ص ١٣١٢).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (حالة) وعبارة ابن سينا : المرض هيئة في بدن الإنسان مضادة لهذه وحالة عنده ليست بصحة ولا مرض (راجع قانون الطب ج ١ ص ٧٤).
(٣) سبق التعريف بكتاب الشفاء في هذا الجزء.
(٤) في (ب) بزيادة لفظ (محض).
(٥) في (أ) بزيادة لفظ (سواء).
(٦) في (ب) بزيادة لفظ (واحد).