ابن سينا حيث قال : إن أحد الضدين في التضاد المشهوري قد يكون عدما للآخر كالسكون للحركة ، والمرض للصحة. لكن قوله هيئة مضادة ربما يشعر بأن المرض أيضا وجودي كالصحة ، ولا خفاء في أن بينها غاية الخلاف ، فجاز أن يجعلا ضدين بحسب التحقيق مندرجين تحت جنس هو الكيفية النفسانية.
واعترض الإمام بأنهم اتفقوا على أن أجناس الأمراض (١) المفردة ثلاثة : سوء المزاج ، وسوء التركيب ، وتفرق الاتصال ، ولا شيء منها بداخل تحت الكيفية النفسانية المسماة بالحال أو الملكة. أما سوء المزاج فلأنه إما نفس الكيفية الغريبة التي بها خرج المزاج عن الاعتدال على ما يصرح به حيث يقال الحمى حرارة كذا وكذا وهي من الكيفيات المحسوسة ، وإما اتصاف البدن بها وهو من مقولة أن ينفعل ، وأما سوء التركيب فلأنه عبارة عن مقدار أو عن عدد أو وضع أو شكل أو انسداد مجرى مخل بالأفعال ، وليس شيء منها داخلا تحت الحال والملكة ، وكذا اتصاف البدن بها ، وذلك لأن المقدار والعدد من الكميات والوضع مقولة (٢) برأسها ، والشكل من الكيفيات المختصة بالكميات والانصاف من أن ينفعل ، ولم يتعرض للانسداد ، وكأنه يجعله من الوضع أو أن ينفعل ، وأما تفرق الاتصال فلأنه عدمي لا يدخل تحت مقولة أصلا ، ولذا لم يدخل المرض تحت الحال والملكة لم يدخل الصحة تحتها لكونه ضدا لها. هذا حاصل (٣) تقرير الإمام. لا ما ذكر في المواقف من أن سوء المزاج ، وسوء التركيب ، وتفرق الاتصال. إما من المحسوسة
__________________
(١) عبارة ابن سينا كما ذكرها في قانون الطب : إن أجناس الأمراض المفردة ثلاثة : الأول جنس الأمراض المنسوبة إلى الأعضاء المتشابهة الأجزاء وهي أمراض سوء المزاج الخ. (راجع ج ١ ص ٧٤).
(٢) الوضع : مقولة من مقولات أرسطو ، وهو كون الجسم بحيث تكون لأجزائه بعضها إلى بعض نسبة في الانحراف والموازاة بالقياس إلى الجهات وأجزاء المكان ، إن كان في مكان مثل القيان والقعود (راجع النجاة ص ١٢٨ لابن سينا).
وقيل الوضع : هيئة عارضة للشيء بسبب نسبتين ، نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجية عند القيام والقعود ، فإن كلا منهما هيئة عارضة للشخص بسبب نسبة أعضائه بعضها إلى بعض وإلى الأمور الخارجية عنده. (راجع تعريفات الجرجاني).
(٣) في (أ) بزيادة لفظ (حاصل).