ولو سلّم الحصر ، فالمقدور في نفسه حركات وسكنات ، وتلحقه هذه الأحوال والاعتبارات بحسب قصد العبد وداعيته. وليست من لوازم الماهية. فانتفاؤها لا يمنع التماثل ، ومنهم الجبائيّ (١) وأتباعه القائلون بأنه لا يقدر على نفس مقدور العبد ، لأنه لو صح مقدور بين قادرين لصح مخلوق بين خالقين ، لأنه يجب وقوعه بكل منهما عند تعلق الإرادة لما سبق من وجوب حصول الفعل عند خلوص القدرة والداعي. وقد عرفت امتناع اجتماع المؤثرين على أثر واحد.
والجواب عندنا : منع الملازمة بناء على أن قدرة العبد ليست بمؤثرة وسيجيء إن شاء الله تعالى.
ولو سلّم : فإنما يتم خلوص الداعي والقدرة لو لم يكن تعلق القدرة أو الإرادة للآخرة مانعا.
ولو سلّم فيجوز أن يكون واقعا بهما جميعا ، لا بكل منهما ليلزم المحال. وعند أبي الحسين البصريّ (٢) ، منع بطلان اللازم ، فإنا إذا فرضنا التصاق جوهر واحد بكفي إنسانين ، فجزية أحدهما حال ما دفعه الآخر ، فإن الحركة الحاصلة فيه مستندة إلى كل منهما وفيه نظر.
__________________
(١) هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائيّ ابو علي : من أئمة المعتزلة ، ورئيس علماء الكلام في عصره. وإليه نسبة الطائفة المعروفة بالجبائية له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب نسبته إلى (جبي) من قرى البصرة ، اشتهر في البصرة ومات سنة ٣٠٣ ه ودفن بجبّى ، له تفسير حافل مطول رد عليه الأشعرىّ.
راجع المقريزي ٢ : ٣٤٨ ، ووفيات الأعيان ١ : ٤٨٠ والبداية والنهاية ١١ : ١٢٥. ومفتاح السعادة ٢ : ٣٥.
(٢) ـ سبق الترجمة له.