الأفلاك والعناصر ، وإثبات العقول والنفوس ، وكون الباري موجبا أو مختارا ، جعل كل منهما فرقة من المخالفين ، وأما من المسلمين. فالمعتزلة أسندوا الشرور والقبائح إلى الشيطان(١) وهو قريب من مذهب القائلين بالنور والظلمة ، وأسندوا الأفعال الاختيارية للإنسان وغيره من الحيوانات البهم ، وهو مسألة خلق الأعمال وستأتي.
فإن قيل : الفلاسفة والمعتزلة لا يقولون بالقدرة ، فلا معنى لعدهم من المخالفين في شمولها.
قلنا : المراد بالقدرة هاهنا القادرية (٢) ، أي كونه قادرا ، ولا خلاف للمعتزلة في ذلك ، وكذا للفلاسفة ، لكن بمعنى لا ينافي الإيجاب على ما قيل : إن القادر هو الذي يصح أن يصدر عنه الفعل وأن لا يصدر ، وهذه الصحة هي القدرة ، وإنما يترجح أحد الطرفين على الآخر بانضياف وجود الإرادة أو عدمها إلى القدرة ، وعند اجتماعهما يجب حصول الفعل وإرادة الله تعالى علم خاص ، وعلمه وقدرته أزليان غير زائدين على الذات. فلهذا كان العالم قديما. والصانع موجبا بالذات. والحق أن هذا قول بالقدرة والإرادة لفظا لا معنى.
__________________
(١) الشيطان : هو كل عات متمرد من الإنس والجن ، والدواب ، والعرب تسمى الحية شيطانا وقوله تعالى (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) قال الفرّاء : فيه ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه شبه طلعها في قبحه برءوس الشياطين لأنها موصوفة بالقبح ، الثاني : أن العرب تسمى بعض الحيات شيطانا وهو ذو عرف قبيح ، الوجه الثالث : قيل إنه نبت قبيح يسمى رءوس الشياطين ، والشيطان نونه أصلية ، وقيل إنها زائدة فإن جعلته فيعالا من قولهم (تشيطن) الرجل صرفته وإن جعلته من تشيط لم تصرفه لأنه فعلان.
(٢) في (ب) القدرية.