الصور أو القوى بتوسط الحركات ، ولأفعال المعدنيات صورها النوعية ، ولأفعال النبات والحيوان نفوسها ، وبالجملة ، فأكثر الممكنات عندهم مؤثرات ، وذهب الصابئون (١) والمنجمون (٢) إلى أن كل ما يقع في عالم الكون والفساد من الحوادث والتغيرات مستندة إلى الأفلاك والكواكب ، بما لها من الأوضاع والحركات والأحوال والاتصالات ، وغاية متمسكهم في ذلك هو الدوران أعني ترتب هذه الحوادث على هذه الأحوال وجودا وعدما ، وهو لا يفيد القطع بالعلية ، لجواز أن تكون شروطا أو معلومات مقارنة أو نحو ذلك.
كيف : وكثيرا ما يظهر التخلف بطريق المعجزات والكرامات.
كيف : ومبنى علومهم على بساطة الأفلاك والكواكب ، وانتظام حركاتها على نهج واحد ، وهو ينافي ما ذهبوا إليه من اختلاف أحوال البروج (٣) والدرجات ، وانتسابها إلى الكواكب وغير ذلك من التفاصيل والاختصاصات ، وبالنظر إلى الدوران ، زعم الطبيعيون أن حوادث هذا العالم مستندة إلى امتزاج العناصر والقوى ، والكيفيات الحاصلة بذلك. ثم الظاهر أن ما نسب إلى المنجمين والطبيعيين هو مذهب الفلاسفة. إلا أنه (٤) لما (٥) لم يعرف مذهب الفريقين في مبادي
__________________
(١) الصابئون : جمع صابئ ، وقيل : صاب ولذلك اختلفوا في همزه وهمزه الجمهور إلا نافعا فمن همزه جعله من صبات النجوم إذا طلعت وصبأت تنبه الغلام إذا خرجت ، ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو ، إذا مال فالصابي في اللغة : من خرج ومال من دين إلى دين ، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ فالصابئون قد خرجوا من دين اهل الكتاب ،.
(٢) طائفة من الناس تلجأ إلى حسابات الفلك واستعمال الشعبذة والتلاعب بعقول الآخرين وفي المثل (كذب المنجمون ولو صدقوا).
(٣) البرج : القصر وجمعه بروج. وقد جاء في القرآن على وجوه ثلاثة ، الأول : بمعنى مدار الكواكب ، (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ). سورة البروج آية ١ (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) الفرقان آية ٦١ ، الثاني : بمعنى القصور قال تعالى : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) النساء آية ٧٨ ، أي قصور محكمة ، الثالث : بمعنى التزين والتوسع قال تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ) سورة الأحزاب آية ٣٣ وهذا كله مأخوذ من (المبرج) في اعتبار حسنه.
راجع بصائر ذوي التمييز ج ٢ ص ١٣٤.
(٤) (ب) أما بدلا من (إلا).
(٥) سقط من (ب) (لما).