معنى للتعقل إلا المصاحبة ، فإذا كل مجرد يصح أن يعقل غيره ، وكل ما يصح للمجرد يجب أن يكون بالفعل لبراءته عن أن يحدث فيه ما هو بالقوة ، لأن ذلك شأن الماديات ، ولا خفاء في ضعف بعض هذه المقدمات ، وفيه أنه لو صح أن مصاحبة المجرد للمعقولات في الوجود تعقل (١) لها ، لكفى ذلك في إثبات المطلوب من غير احتياج إلى سائر المقدمات.
الثاني : أنه عالم بذاته لأنه لا معنى لتعقل المجرد ذاته ، سوى حضور ذاته عند ذاته ، بمعنى عدم غيبته عنه لاستحالة حصول المثال لكونه اجتماعا للمثلين ، وهذا القدر وإن كان مبنيا على أصولهم ، كان في إثبات كونه عالما في الجملة. إلا أنهم حالوا إثبات علمه بما سواه. فقالوا :
هو عالم بذاته الذي هو مبدأ الممكنات لما ذكرنا. والعلم بالمبدإ أعني العلة. عالم بذي المبدأ أعني المعلول لأن العلم بالشيء يستلزم العلم بلوازمه ، والعلية وهي التي لا تعقل (٢) بدون المعلول ، بل المعلول نفسه ، وما يتبعه من المعلولات كلها من (٣) لوازم الذات.
واعترض : بأن لازم الذات ، وإن كان بلا وسط في الثبوت من لا يجب أن يكون لازما بينا يلزم من تعقل الذات تعقله لتساوي الزوايا الثلاث للقائمتين للمثلث ، ولو وجب ذلك لزم من العلم بالشيء العلم بجميع لوازمه القريبة والبعيدة لاستمراره الاندفاع من لازم إلى لازم.
وأجيب : بأن الكلام في العلم التام أعني العلم بالشيء بما له في نفسه ، ولا شك أن علم الباري بذلك كذلك.
__________________
(١) في (ب) تعلق بدلا من (تعقل).
(٢) سقط من (أ) لفظ (التي).
(٣) في (أ) بزيادة حرف الجر (من).