العلم ، فلو توقف حصول العلم على التغاير لزم الدور ، وإنما يرد النقص بعلمنا بأنفسنا لو كانت النفس واحدة من كل وجه ، كالواجب وهو ممنوع. فيجوز كونها عالمة من وجه ، معلومة من وجه.
لأنا نقول : إنما يلزم الدور لو كان توقف العلم على التغاير توقف سبق واحتياج ، وهو ممنوع ، بل غايته أنه لا ينفك عن العلم ، كما لا ينفك المعلول عن علته. والمراد بالنقص ، أن النفس تعلم ذاته التي هي عالمة ، لا أن يكون العالم شيئا ، والمعلوم شيئا آخر.
وثانيا : بأن علمه ليس إلا تعلقا بالمعلوم من غير ارتسام صورة في الذات فلا كثرة إلا في التعلقات والإضافات ، وتحقيقه على ما ذكر بعض المتأخرين أن حصول الأشياء له حصول للفاعل ، وذلك بالوجوب ، وحصول الصور (١) المعقولة لنا ، حصول للفاعل وذلك بالوجوب ، وحصول الصور المعقولة لنا ، حصول للقابل ، وذلك بالإمكان ، ومع ذلك فلا يستدعي صورا مغايرة لها ، فإنك تعقل شيئا بصورة يتصورها ويستحضرها ، فهي صادرة عنك بمشاركة ما من غيرك وهو الشيء الخارجي ، ومع ذلك ، فإنك لا تعقل تلك الصورة بغيرها ، بل كما تعقل ذلك الشيء بها ، كذلك (٢) تعقلها أيضا بنفسها من غير أن تتضاعف الصور فيك ، وإذا كان حالك مع ما يصدر عنك بمشاركة غيرك هذه الحال ، فما ظنك بحال من يعقل ما يصدر عنه لذاته من غير مداخلة الغير فيه ، ثم ليس كذلك محلا لتلك الصور شرطا في التعقل بدليل أنك تعقل ذاتك بدون ذلك ، بل المعتبر حضور الصورة لكل (٣) حالة كانت ، أو غير حالة ، والمعلولات الذاتية للعاقل الفاعل لذاته حاصلة له من غير حلول فيه ، فهو عاقل إياها من غير أن تكون حالة فيه ، على أن كثرة الصفات في الذات لا تمنع عندنا ، بل عند الفلاسفة وأتباعهم.
وأجيب : عن الثاني بمنع استحالة كون الشيء (٤) الواحد قابلا أو فاعلا.
__________________
(١) في (ب) التصور بدلا من (الصور).
(٢) في (ب) ذلك بدلا من (كذلك).
(٣) في (ب) الصور لكل.
(٤) في (ب) بزيادة (الشيء).