اقتصر الجمهور في الجواب على منع الملازمة مستندا بأن العلم إما إضافة ، أو صفة ذات إضافة ، وتغير الإضافة لا يوجب تغير المضاف كالقديم يتصف بأنه قبل الحادث ، إذا لم يوجد الحادث ، ومعه إذا وجد وبعده إذا فني من غير تغير في ذات القديم. فعلى تقدير كون العلم إضافة لا يلزم من تغير المعلوم إلا تغير العلم دون الذات ، وعلى تقدير كونه صفة ذات إضافة لا يلزم تغير العلم فضلا عن الذات.
وأجاب كثير من المعتزلة وأهل السنة : بأن علم الله تعالى بأن الشيء سيحدث هو نفس علمه بأنه حدث للقطع بأن من علم أن زيدا يدخل الدار غدا ، واستمر على هذا العلم إلى مضي الغد ، علم بهذا العلم أنه دخل الدار من غير افتقار إلى علم مستأنف فعلى هذا لا تغير في العالمية التي يثبتها المعتزلة ، والعلم الذي أثبته الصفاتية ، وهذا بخلاف علم المخلوق ، فإنه لا يستمر ومرجع هذا الجواب إلى ما سبق من كون العلم أو العالمية غير الاضافة إذ لا شبهة في تغير الإضافة بتغير المضاف إليه. ولهذا أوضحوا هذا المعنى (١) المدعى بأن العلم لو تغير بتغير المعلوم لتكثر بتكثره ضرورة. فيلزم كثرة الصفات بل لا تناهيها بحسب لا تناهي المعلومات. وبأن العلم صفة تنجلي بها المعلومات بمنزلة مرآة تنكشف بها الصور ، فلا يتغير بتغير المعلوم ، كما لا تتغير المرآة بتغير الصور ، وبأنه صفة يعرض لها إضافات ، وتعلقات بمنزلة إنسان جلس زيد عن يساره ، ثم قام يجلس عن يمينه ، فإنه يصير متيامنا لزيد بعد ما كان متياسرا له من غير تغير فيه أصلا ، فظاهر أن هذا لا يتم على القول ، بكون العلم تعلقا بين العالم والمعلوم على ما يراه جمهور المعتزلة. فلهذا رده أبو الحسين البصري بوجوه :
أحدها : بأن من علم أن زيدا يدخل البلد غدا ، وجلس مستمرا على هذا الاعتقاد إلى الغد في بيت مظلم ، بحيث لم يعلم دخول الغد ، فإنه لا يصير عالما بدخول زيد ، ولو كان العلم بأنه سيدخل نفس العلم بأنه دخل ، لوجب أن يحصل هذا العلم في هذه الصورة ، فإذا لم يحصل لم يكن ، بل الحق أن العلم بأنه دخل
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (المعنى).