الجهل هو أن يحصل التعلق حال وجوده بأنه سيوجد ، وهو غير التعلق الثاني (١) ، والحاصل أن التعلق بالعدم في حال معينة ، والوجود في حالة أخرى باق أزلا وأبدا (٢) لا ينقلب جهلا أصلا. فقد علم الباري في الأزل عدم العالم في الأزل ، ووجوده فيما لا يزال ، وفناه بعد ذلك ويوم القيامة أيضا بعلمه كذلك ، من غير تغير أصلا ، وهذا الكلام يدفع اعتراض الإمام ، بأن الباري تعالى إذا أوجد العالم ، وعلم أنه موجود في الحال ، فإما أن يبقى علمه في الأزل بأنه معدوم في الحال ، فيلزم الجهل والجمع بين الاعتقادين المتنافيين ، وإما أن يزول (٣) فيلزم زوال القديم ، وقد تقرر أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه.
(قال : والتزم تغير علمه بالجزئيات المتغيرة كما ذهب إليه هشام من أنه عالم في الأزل بالحقائق والماهيات ، وإنما يعلم الأشخاص والأحوال بعد حدوثها).
والتزم يعني ذهب أبو الحسين إلى أن علم الباري بالجزئيات يتغير بتغيرها ، ويحدث بعد وقوعها ، ولا يقدح ذلك في قدم الذات كما هو مذهب جهم بن صفوان (٤) ، وهشام بن الحكم (٥) من القدماء ، وهو في أنه في الأزل إنما يعلم الماهيات والحقائق ، وأما التصديقات ، أعني الأحكام بأن هذا قد وجد ، وذلك قد عدم ، فإنما يحدث فيما لا يزال ، وكذا تصور الجزئيات الحادثة. وبالجملة فذاته توجب العلم
__________________
(١) في (ب) الباقي بدلا من (الثاني).
(٢) في (أ) بزيادة (وابدأ).
(٣) سقط من (ب) من أول (فيلزم) إلى قوله (أن يزول).
(٤) جهم بن صفوان السمرقنديّ ، أبو محرز ، من موالي بني راسب رأس الجهمية قال الذهبيّ : الضال المبتدع ، هلك في زمان صغار التابعين ، وقد زرع شرا عظيما كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خرسان فقبض عليه نصر بن سيار وأمر بقتله عام ١٢٨ ه راجع ميزان الاعتدال ١ : ١٩٧ ، ولسان الميزان ٢ : ١٤٢ وخطط المقريزي ٢ : ٣٤٩ / ٣٥١.
(٥) هشام بن الحكم الشيبانيّ بالولاء ، أبو محمد متكلم مناظر ، كان شيخ الإمامية في وقته ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد وانقطع إلى يحيي بن خالد البرمكيّ ، صنف كتبا منها «الإمامة» و «القدر» و «الرد على المعتزلة» والرد على الزنادقة وغير ذلك مات نحو ١٩٠ ه راجع لسان الميزان ٢ : ١٩٤.