لأن ما يثبت قدمه امتنع عدمه. لكنا نعلم بالضرورة. أن من علم النسبة لا يمتنع عليه أن يخبر عنها على ما هي عليه ، وطريق اطراد هذا الوجه في كلامه المنتظم من الحروف المسموعة أنه عبارة عن كلامه الأزلي ، ومرجع الصدق والكذب إلى المعنى. وأما وجه استحالة النقص ففي كلام البعض أنه لا يتم إلا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي. قال إمام الحرمين :
لا يمكن التمسك في تنزيه الرب تعالى عن الكذب بكونه نقصا لأن الكذب عندنا لا يقبح لعينه ، وقال صاحب التلخيص (١) : الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقليا كان قولا بحسن الأشياء وقبحها عقلا ، وإن كان سمعيا لزم الدور ، وهذا مبني على أن مرجع الأدلة السمعية إلى كلام الله تعالى وصدقه وأن تصديق النبي صلىاللهعليهوسلم بالمعجزة ، إخبار خاص. وقد عرفت ما فيه. وقال صاحب المواقف لم يظهر لي فرق بين النقص في العقل وبين القبح في العقل بل هو هو بعينه وأنا أتعجب من كلام هؤلاء المحققين (٢) الواقفين على محل النزاع في مسألة الحسن والقبح.
والجواب : أن كلامه في الأزل لا يتصف بالماضي والحال والمستقبل لعدم الزمان ، وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلقات ، وحدوث الأزمنة والأوقات ، وتحقيق هذا مع القول بأن الأزلي مدلول اللفظي عسر جدا ، وكذا (٣) القول بأن المتصف بالماضي (٤) وغيره إنما هو اللفظ الحادث دون المعنى القديم.
__________________
(١) هو محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨ ه وصاحب كتاب الملل والنحل
(٢) سقط من (ب) من أول : النقص في العقل إلى : هؤلاء المحققين.
(٣) في (ب) وكأن بدلا من (وكذا).
(٤) في (ب) بالماضي بدلا من (بالمضي).