قلنا : هو أراد أنه أمر واحد يعرض له التنوع بحسب التعلقات الحادثة من غير أن يتغير في نفسه.
وثانيها : أن وجود المخاطب إنما يلزم في الكلام الحسي. وأما النفسي فيكفيه وجوده العقلي.
أي الأمر في الأزل لا يجاب يحصل المأمور به في وقت وجود المأمور وصيرورته أهلا لتحصيله ، فيكفي وجود المأمور في علم (١).
وثالثها : أن السفه والعبث إنما يلزم لو خوطب المعدوم ، وأمر في عدمه ، وأما على تقدير وجوده بأن يكون طلبا للفعل ممن سيكون فلا كما في طلب الرجل تعلم ولده الذي أخبره صادق بأنه سيولد ، وكما في خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم بأوامره ونواهيه وكل مكلف يولد إلى يوم القيامة ، إذ اختصاص خطاباته بأهل عصره ، وثبوت الحكم فيمن عداه بطريق القياس بعيد جدا. نعم لو قيل خطاب الحاضرين قصدا ، والغائبين والمعدومين ضمنا وتبعا ليس من السفه في شيء لكان شيئا. واعلم أن هذا الجواب هو المشهور من الجمهور ، وكلامهم متردد في أن معناه أن المعدوم مأمور في الأزل بأن يتمثل ، ويأتي بالفعل على تقدير الوجود أو المعدوم ، ليس بمأمور في الأزل لكن لما استمر الأمر الأزلي إلى زمان وجوده صار بغد الوجود مأمورا.
ورابعها : أن السفه هو أن يخلو عن الحكمة والعاقبة الحميدة ما يتعلق بها ، والقديم ليس كذلك ، إذ لا يطلب لثبوته حكمة وغرض.
وخامسها : أن السفه هو الخالي عن الحكمة بالكلية ، والأمر الأزلي ليس كذلك لترتب الحكمة عليه فيما لا يزال.
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من (أ).