الفصل الرابع
في أحوال الواجب تعالى
(قال : الفصل الرابع في أحواله :
ذهب أهل الحق إلى أنه تعالى مع تنزهه عن الجهة والمقابلة يصح أن يرى ، ويراه المؤمنون في الجنة ، خلافا لسائر الفرق ، ولا نزاع لهم في إمكان الانكشاف التام العلمي ، ولا لنا في امتناع ارتسام الصورة أو اتصال الشعاع ، أو حالة مستلزمة لذلك ، بل المتنازع أنا إذا نظرنا إلى البدر قلنا حالة إدراكية نسميها الرؤية مغايرة ، وكما إذا غمضنا العين ، وإن كان ذلك انكشافا جليا ، فهل يمكن أن يحصل للعباد بالنسبة إلى الله تعالى ، تلك الحالة ، وإن لم يكن هناك مقابلة؟ لنا على الإمكان وجهان :
أحدهما قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (١) الآية.
وذلك أن موسى طلب الرؤية ، ولم يكن عابثا ولا جاهلا والله تعالى علقها على استقرار الجبل ، وهو ممكن في نفسه واعترض على الأول بأنه : إنما طلب العلم الضروري ، أو رؤية آية ، ولو سلم فالجهل بمسألة الرؤية لا يخل بالمعرفة ، ورد بأن «لن تراني» نفي للرؤية لا للعلم ، أو رؤية الآية كيف والعلم حاصل ..؟
والآيات كثيرة ، والحاصل منها حينئذ إنما هو على تقدير الاندكاك دون الاستقرار ، والرؤية المقرونة بالنظر الموصول (بإلى) نص في معناها ، والقوم إنما يصدقون للنبي فيكفيهم إخباره بامتناع الرؤية أو لا ، فلا يفيد حكايته عن الله تعالى ولا يليق بالنبي تأخر رد الباطل كما في طلب جعل الإله.
ولا طلب الدليل بهذا الطريق ، ولا الجهل في الإلهيات بما يعرفه آحاد المعتزلة.
وعلى الثاني : بأن المعلق عليه استقرار الجبل عقب النظر ، وهو حالة اندكاك
__________________
(١) سورة الأعراف آية رقم ١٤٣.