الثاني : أنه لا حصر للمشترك بينهما في الحدوث والوجود ، فإن الإمكان أيضا مشترك فلم لا يجوز أن يكون هو العلة ، ووجه اندفاعه أن الإمكان اعتباري لا تحقق له في الخارج ، فلا يمكن تعلق الرؤية به. كيف والمعدوم متصف بالإمكان فيلزم أن تصح رؤيته وهو باطل بالضرورة.
الثالث : أن صحة رؤية الجوهر لا تماثل صحة رؤية العرض. إذ لا يسد أحدهما مسد الآخر! فلم لا يجوز أن يعلل كل منهما بعلة على الانفراد. ولو سلّم تماثلهما فالواحد النوعي قد يعلل بعلتين مختلفتين كالحرارة بالشمس والنار ، فلا يلزم أن يكون له علة مشتركة ، ووجه اندفاعه أن متعلق الرؤية لا يجوز أن يكون من خصوصيات الجوهرية أو العرضية ، بل يجب أن يكون مما يشتركان فيه للقطع بأنا قد نرى الشيء وندرك أن له هوية ما من غير أن يدرك كونه جوهرا أو عرضا ، فضلا عن أن ندرك ما هو زيادة خصوصية لأحدهما ككونه إنسانا أو فرسا سوادا أو خضرة ، بل ربما قد نرى زيدا بأن يتعلق رؤية واحدة بهويته من غير تفصيل لما فيه من الجواهر والأعراض ، ثم قد نفصله إلى ما له من تفاصيل الجواهر والأعراض. وقد نغفل عن التفاصيل بحيث لا نعلمها عند ما سئلنا عنها ، وإن استقصينا في التأمل ، فعلم أن ما يتعلق به الرؤية هو الهوية المشتركة لا الخصوصيات التي بها الافتراق ، وهذا معنى كون علته صحة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض.
الرابع : أن بعد ثبوت كون الوجود هو العلة ، وكونه مشتركا بين الجوهر والعرض وبين الواجب لا يلزم من صحة رؤيتهما صحة (١) رؤيته لجواز أن تكون خصوصية الجوهرية أو العرضية شرطا لها أو خصوصية الواجبية مانعا عنها. ووجه اندفاعه أن صحة رؤيته الشيء الذي له الوجود الذي هو المتعلق للرؤية ضرورية بل لا معنى لصحة رؤيته إلا ذلك ، ثم الشرطية أو المانعية إنما يتصور لتحقق الرؤية لا لصحتها ، وقد يعترض بوجوه أخر.
الأول : منع اشتراك الوجود بين الواجب وغيره بل وجود كل شيء عين حقيقته ، ولا خفاء في أن حقيقة الواجب لا تماثل حقيقة الممكن ، وحقيقة الإنسان لا تماثل حقيقة الفرس.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (صحة).