الموجود فيمتدح بنفي الرؤية التي هي من صفات الخلق ، وسمات النقص ، وإن لم تجز رؤيته وأجيب : بأنه لا تمدح في ذلك أيضا لأن كثيرا من الموجودات بهذه المثابة ، كالأصوات والطعوم والروائح وغيرها.
فاعترض بأن هذا لا يستقيم على أصلكم حيث جعلتم متعلق الرؤية هو الوجود وجوزتم رؤية كل موجود.
فأجيب : بأن تلك الأعراض وإن كانت جائزة الرؤية إلا أنها مقرونة بأمارات الحدوث ، وسمات النقص ، ولم يكن نفي رؤيتها مدحا بخلاف الصانع ، فإنه علم بالأدلة القاطعة قدمه وكماله ، وأدرج تمدحه بنفي الرؤية في أثناء كلام ينفي سمات الحدوث والزوال ، ويشتمل على آيات العظمة والجلال أعني قوله تعالى (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) إلى قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٢) فدل على جواز الرؤية (٣) ونهاياته والتمدح به إنما يكون على تقدير صحة الرؤية ، وانتفاء أمارات الحدوث وسمات النقص ، إذ لا تمدح بنفي الإدراك فيما تمتنع رؤيته التي هي سبب الإدراك كالمعدوم ولا فيما تصح رؤيته ، لكن عرف حدوثه ونقصه كالأصوات ، والروائح والطعوم ، واعلم أن مبنى هذا الاستدلال على أن يكون كل من قوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقوله (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (٤) تمدحا على حدة لا أن يكون المجموع تمدحا واحدا فليتأمل.
__________________
(١) سورة الأنعام الآيات ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.
(٢) سورة الأنعام الآيات ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣.
(٣) الرؤية : تختلف بحسب قوى النفس : الأول : بالحاسة وما يجزي مجراها قال تعالى : (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) سورة التوبة آية ١٠٥ وهذا مما أجرى مجرى الرؤية بالحاسة فإن الحاسة لا تصح على الله تعالى. والثاني : بالوهم والتخييل نحو : أرى أن زيدا منطلق. والثالث بالتفكر قال تعالى : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) والرابع بالعقل نحو : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) سورة النجم آية ١١ ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) سورة النجم آية ١٣.
(٤) سورة الأنعام آية رقم ١٠٣.