المعلوم منه يمنع الشركة لما كان كذلك ، وما يقال إن الواجب كلي يمتنع (١) كثرة أفراده ، فمعناه أن مفهوم الواجب كذلك لا الذات المخصوص الذي يصدق عليه أنه واجب ، ويرد على الوجهين :
أنا لا نسلم أن معلوم كل أحد من البشر ما ذكرتم ومن أين لكم الإحاطة بأفراد البشر ومعلوماتهم. وقد يقال على الأخير إن من جملة ما علم منه الوحدانية بأدلتها القاطعة ، ومع اعتبار ذلك لا نتصور الشركة ولا الافتقار إلى بيان التوحيد. فيجاب : بأن هذا أيضا كلي إذ لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وإن كان المفروض مما لا نعم يتوجه أن يقال : الكلام في حقيقة الواجب لا في هويته ، ولهذا ترى القائلين بامتناع المعلومية ، يجعلون امتناع اكتسابه بالحد والرسم مبنيا على أنه لا تركب فيه ، وأن الرسم لا يفيد الحقيقة لا على أن الشخص لا يعرف بالحد والرسم ، والقائلين بحصول المعلومية يقولون إنه لا حقيقة له سوى كونه ذاتا واجب الوجود يجب كونه قادرا عالما حيا سميعا بصيرا إلى غير ذلك من الصفات حتى اجترأ المشايخية من المعتزلة فقالوا : إنا نعلم ذاته كما يعلم هو ذاته من غير تفاوت ، وهذا البحث عند المتكلمين يعرف بمسألة المائية ، وينسب القول بها إلى ضرار حيث قال : إن لله تعالى مائية لا بعلمها إلا هو ، ولو رؤي لرئي عليها ، وفي قدرة الله تعالى أن يخلق في الخلق حاسة سادسة بها يدركون تلك المائية والخاصية ، وحين روي ذلك عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنكر أصحابه هذه الرواية أشد إنكار وذلك لأن المائية عبارة عن المجانسة حيث يقال ما هو بمعنى أي جنس هو من أجناس الأشياء والله تعالى منزه عن الجنس (٢) ، لأن كل ذي جنس مماثل لجنسه ولما تحته من الأنواع والأفراد ، فالقول به تشبيه ، وفسره بعضهم بأن الله تعالى يعلم نفسه بمشاهدة لا بدليل ولا بخبر ، ونحن نعلمه بدليل وخبر ، ومن يعلم الشيء بالمشاهدة يعلم منه ما لا يعلمه من لا يشاهد ، وليس هناك شيء هو المائية ليلزم التشبيه ، وكان أصحابنا يعدلون عن لفظ المائية إلى لفظ الخاصية
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (لا).
(٢) الجنس في اللغة الضرب من كل شيء ، وهو أعم من النوع ، يقال : الحيوان جنس ، والإنسان نوع قال ابن سينا : الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالأنواع أي بالصور ، والحقائق الذاتية ، وهذا يخرج ، النوع والخاصة والفصل القريب. راجع المعجم الفلسفي ج ١ ص ٤١٦.