جعل الأدلة السمعية على هذا المطلوب أنواعا باعتبار خصوصيات تكون للبعض ومنها دون البعض مثل الورود بلفظ الخلق لكل شيء ، أو لعمل العبد خاصة أو بلفظ لجعل(١) أو الفعل أو بغير ذلك. فمن الوارد بلفظ الخلق قوله تعالى (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) (٢) تمدحا واستحقاقا للعبادة ، فلا يصح الحمل على أنه خالق لبعض الأشياء كأفعال نفسه ، لأن كل حيوان عندكم كذلك ، بل يحمل على العموم فيدخل فيه أعمال العباد ، ويخرج القديم بدليل العقل والقطع ، بأن المتكلم لا يدخل في عموم مثل أكرمت كل من دخل الدار فيكون بمنزلة الاستثناء ، فلا يخل بقطعية العام عند من يقول بكونه قطعيا ، وكذا قوله تعالى (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٣) تمسكا بالعموم وبأنه إذا جعل كخلقه في موضع المصدر كما هو الظاهر ، فقد يفيد (٤) خلق كل أحد مثل خلقه في الجملة ـ وقوله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٥) تمسكا بالعموم وبأن قوله «وخلق كل شيء» إزالة لما يتوهم من أن العبيد وإن لم يكونوا شركاء له في الملك على الإطلاق لكنهم يخلقون بعض الأشياء وإلا لكان ذكره بعد نفي الشريك مستدركا قطعا. وقوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٦) أي خلقنا كل موجود ممكن من الممكنات بتقدير وقصد أو على مقدار مخصوص مطابق للغرض والمصلحة ، ولإفادة هذا المعنى كان المختار نصب كل شيء ، إذ لو رفع لتوهم أن خلقنا صفة وبتقدير خبر ، والمعنى أن كل شيء خلقناه فهو بقدر ، فلم يفد أن كل شيء مخلوق له ، بل ربما أفاد أن من الأشياء (٧) ما لم يخلقه فليس بقدر. وبما أشرنا إليه من كون الشيء اسما للموجود ، أو مقيدا به ، اندفع ما قيل إنه لا بد من تقييد الشيء من مخلوق على تقدير النصب
__________________
(١) في (ب) الحبل بدلا من (الجعل).
(٢) سورة الأنعام آية رقم ١٠٢.
(٣) سورة الرعد آية رقم ١٦.
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (يفيد).
(٥) سورة الفرقان آية رقم ٢.
(٦) سورة القمر آية رقم ٤٩.
(٧) في (أ) بزيادة حرف الجر (من).