بمنزلة الإشارة لم يجز أن يكون الحكم عائدا إليه ، إذ لا معنى لقولنا : إن هذا المعين ليس إلا هذا المعين. (١) ولزم أن يكون عائدا إلى الوصف على معنى أنه الخالق لا غيره وفيه ضعف لا يخفى على العارف بأساليب الكلام. وقوله تعالى : (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) (٢) احتجاج على علمه تعالى بما في القلوب من الدواعي والصوارف والعقائد ، والخواطر ، بكونه خالقا لها على طريق ثبوت اللازم. أعني العلم بثبوت ملزومه أعني الخلق ، وفي أسلوب الكلام إشارة إلى أن كلا من اللزوم وثبوت الملزوم واضح لا ينبغي أن يشك فيه ، ولهذا يستدل بالآية (٣) على نفس كون العبد خالقا لأفعاله على طريق نفس الملزوم. أعني خلقه لأفعاله ينفي اللازم ، أعني علمه بتفاصيلها لكن كون ذوات الصدور من (٤) قبيل الأفعال الاختيارية التي فيها النزاع محل بحث ، وكذا دلالة الآية على كون العلم من لوازم الخلق على الإطلاق بل على تقدير كون الخالق هو اللطيف الخبير فليتأمل. وقوله تعالى (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٥) لا ينفي خالقا سوى الله على الإطلاق بل بوصف كونه رازقا لنا من السماء والعبد ليس كذلك.
وأجاب الإمام بأن ملائكة السماء الساعين في إنزال الأمطار رازقون لنا بمعنى التمكين من الانتفاع بأنواع النبات والثمار كما يقال : رزق السلطان فلانا ، فلو كانوا خالقين لأفعالهم لوجد خالق غير الله يرزق من السماء وفيه ضعف.
وقوله تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) (٦) يتناول المسيح والملائكة وغيرهم من الأحياء الذين يدعونهم الكفار فيجب أن لا يخلقوا شيئا أصلا ، وقوله تعالى (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (٧) يدل على أن من سوى الله (٨) لم يخلق شيئا وإلا لكان للكفار أن يقولوا نحن خلقنا كثيرا من الحركات
__________________
(١) في (ب) لمعين بدلا من (إذ لا معنى).
(٢) سورة الملك آية رقم ١٣ ، ١٤.
(٣) في (ب) بزيادة لفظ (به).
(٤) في (ب) الصور بدلا من (الصدور).
(٥) سورة فاطر آية رقم ٣.
(٦) سورة النحل آية رقم ٢٠.
(٧) سورة لقمان آية رقم ١١.
(٨) في (ب) رسول الله بدلا من (من سوى الله).