عليه فمرحبا بالوفاق ، لكن يلزم منه فساد مذهب الاعتزال (١) بالكلية لأنه لا فرق في العقل بين أن يأمر الله العبد بما يكون فعلا لله تعالى ، وأن يأمره بفعل يجب حصوله عند فعل الله تعالى ، ويمتنع حصوله عند عدمه ، فإن المأمور على كلا التقديرين لا يكون متمكنا من الفعل والترك ، ولا بين أن يعذب الله العبد على ما أوجده فيه ، وأن يعذبه على ما يجب حصوله عند حصول ما أحدثه الله فيه ، ولا بين فاعل القبيح والظلم ، وفاعل ما يوجب القبيح والظلم فمن اعترف بوجوب حصول الفعل عند حصول الإرادة الحادثة ، انسد عليه باب الاعتزال. فظهر أن أبا الحسين كان من المنكرين لمذهب الاعتزال في هذه المسألة ، وأن مبالغته في دعوى الضرورة فيها كانت على سبيل التغبية والتلبيس ، وزعم بعض المتأخرين من المعتزلة أن معنى الوجوب عند خلوص الداعي ، أنا نعلم أن القادر بفعله مع إمكان الترك ، كما نعلم أن الله يثيب الأنبياء والأولياء بالجنة ، ويعاقب الكفار بالنار ، مع إمكان تركهما نعلم أن العرب لو قدروا على مثل القرآن مع توافر الدواعي وانتفاء الموانع لأتوا بمثله ، ولا وجوب الإتيان بمثله بمعنى الذي ذكرنا لما عرفنا عجزه لجواز أن يقدروا ولا يأتوا به ، وفيه نظر لأنه إما أن يلزم مع خلوص الداعي صدور الفعل من القادر. بحيث لا يصح منه الترك وإن كان ممكنا في نفسه! وبالنظر إلى أصل قدرته وإرادته فيتم ما ذكره الإمام من وجوب الفعل لظهور أن تلك الداعية والإرادة الجازمة (٢) ليستا بإرادة العبد ، وهذا هو المعنى بالجبر ، الذي يقول به أهل الحق ، ويلزم أبا الحسين لا الجبر المغلق الذي يقول به المجبرة. وبطلانه ضروري. وإما أن لا يلزم (٣) فلا معنى لتسميته بالوجوب ، ولا طريق إلى العلم بالصدور ، بل هو رجم بالغيب ، لأن المفروض تساوي الأمرين ، وإما العلم فرع اعتقاد الوجوب ، ألا يرى أنه إذا قيل من أين عرفت عجز المتحدين؟ قيل لأنه خلصت دواعيهم (٤) فلو قدروا لأتوا به ، وهذا معنى الوجوب لأنه ، استدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم ، ولهذا يستدل بنفي الفعل عند تحقق القدرة على نفي الداعية وجزم الإرادة.
__________________
(١) في (ب) المعتزلة بدلا من الاعتزال.
(٢) في (ب) الحادثة بدلا من (الجازمة).
(٣) في (ب) وإن لم بدلا من (وإما أن لا يلزم).
(٤) في (ب) خصلة وهو تحريف.