السادس : أن الطالب العاقل يعلم بالضرورة أنه يطلب ما يحدثه المأمور ، ولهذا يتلطف في استدعاء ذلك الفعل منه ، وأنه ينهى عما يكرهه من الأفعال التي يحدثها المنهي ، وكذا التمني والتعجب وغير ذلك ، وكل هذا يدل على أن فعل العبد إحداثه ، والواجب أن هذه الوجوه لا تفيد سوى أن من الأفعال (١) المستندة إلى العبد ما هو متعلق بقدرته وإرادته ، واقع بحسب قصده وداعيته وهي المسماة بالأفعال الاختيارية ، وكونها مقدورة للعبد واقعة بكسبه ، وعلى حسب قصده واختياره ، وعند صرف قدرته وإرادته ، وإن كانت مخلوقة لله تعالى كان في حسن المدح والذم وصحة الطلب والنهي والتمني والتعجب ونحو ذلك ، ولا يفيد كونها مخلوقة للعبد على ما هو المتنازع ، فضلا أن تفيد العلم الضروري بذلك والعجب من أبي الحسين وهو في غاية الحذاقة ، كيف اجترأ على هذه الدعوة ، وهي آية الوقاحة حيث نسب جميع ما سواه (٢) من العقلاء إلى السفسطة ، وإنكار الضرورة ، أما السنية والجبرية فظاهر ، وأما القدرية فلأنهم حملوا الحكم بكون العبد مرجوا لأفعاله نظريا لا ضروريا وذكر الإمام في نهاية العقول ، أن أبا الحسين لما خالف أصحابه في قولهم القادر على الضدين لا يتوقف فعله لأحدهما دون الآخر على مرجح ، وذهب إلى أن العلم بتوقف صدور الفعل على الداعي ضروري ، وأن حصول الفعل عقيب الداعي واجب لزمه من هاتين المقدمتين عدم كون العبد موجدا لفعله وفيه إبطال للأصول التي عليها مدار (٣) أمر الاعتزال ، فخاف من تنبيه أصحابه ، أنه رجع عن مذهبه ، فليس الأمر عليهم ، وادعى العلم الضروري بكون العبد موجدا لفعله ، ثم قال الإمام لا يقال الاعتراف بتوقف صدور الفعل عن القادر على الداعي ، ووجوب حصوله عند حصوله لا ينافي القول بأن قدرة العبد تؤثر في وجود الفعل ، وإما ينافي استقلاله بالفاعلية ، وهو إما ادعى العلم الضروري في الأول لا في الثاني. لأنا نقول نحن لا نستدل بالدليل المذكور لأجل بيان أن القدرة الحادثة غير مؤثرة ، بل لبيان سلب الاستقلال كما هو مذهب الأستاذ وإمام الحرمين. فإن كان أبو الحسين قد ساعدنا
__________________
(١) في (أ) بزيادة حرف الجر (من).
(٢) في (أ) ما بدلا من (من) التي للعاقل.
(٣) في (أ) مدى بدلا من (مدار).