الرسل ، وبعثة الأنبياء ، وإنزال الكتب من السماء ، إذ لا يظهر للترغيب والترهيب ، والحث على تحصيل الكمالات ، وإزالة الرذائل ونحو ذلك فائدة ، إلا إذا كان بقدرة (١) العبد وإرادته تأثير في أفعاله ويتولى مباشرتها باستقلاله. ومنها بطلان الفرق بين الأفعال التي تطابق العقل والشرع على استحسانها واستحقاقها المدح في العاجل والثواب في الآجل ، والتي ليست كذلك كالكفر والإيمان وكالإساءة إلى الفقراء والإحسان ، وكفعل النبي صلىاللهعليهوسلم من الهداية والإرشاد ، وتمهيد قواعد الخيرات ، وفعل إبليس من الإضلال والإغواء ، وتزيين الشرور والشهوات ، وكالتكلم بالتسبيحات ، والدعوات المترتب عليها الثواب باستجابة ، والتكلم بالهذيانات والفحش والهجاء التي لا تورث (٢) إلا اللوم والعقاب ، لأن الكل بخلق الله تعالى من غير تأثير للعبد ، ومنها بطلان الفرق بين الحركات التي تظهر من أعضاء العبد بقدرته وإرادته ، والتي تظهر منها بقدرة الغير وإرادته كما إذا حرك زيد يد عمرو مثلا مع أن كل أحد يفرق بينهما بالضرورة.
والجواب عن الكل ، أنه إنما يرد على المجبرة النافين لقدرة العبد واختياره ، لا على من يجعل فعله متعلقا بقدرته وإرادته واقعا بكسبه ، وعقيب عزمه ، وإن كان بخلق الله تعالى عزوجل ، ولا على من يجعل قدرته مؤثرة (٣) لكن لا بالاستقلال بل بمرجح هو بمحض خلق الله تعالى ، على أن من الفسادات (٤) ما يلزم المعتزلة أيضا ، كبطلان استقلال العبد بناء على وجوب الفعل وامتناعه لوجود المرجح أو عدمه ، وتعلق علم الله بوقوعه (٥) أو لا وقوعه ، ومنها ما يندفع بطريق آخر ، فإن المدح والذم قد يكون باعتبار المحلية دون الفاعلية ، كالمدح والذم بالحسن والقبح وسائر الغرائز ، وأن
__________________
ـ رد كيده إلى الوسوسة ـ هي حديث النفس ورجل موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة وفي حديث عثمان ـ رضي الله عنه ـ قبض رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وسوس ناس وكنت فيمن وسوس يريد أنه اختلط كلامه.
لسان العرب ج ٨ ص ١٤١ ، ١٤٢ ..
(١) سقط من (أ) لفظ (كان بقدرة).
(٢) في (ب) والنجاء وهو تحريف.
(٣) في (ب) مؤخرة بدلا من (مؤثرة).
(٤) في (ب) العبارات بدلا من (الفسادات).
(٥) سقط من (ب) لفظ (بوقوعه).