وعن الثاني : بعد تسليم القبح العقلي. أن القبيح فعل القبيح لا خلقه.
وعن الثالث : أنه لو سلم وجوب الوقوع فعلى وفق إرادة الله الموافقة لإرادة العبد عادة.
وعن الرابع : أنه حماقة (١) أو وقاحة).
المتقدمون من المعتزلة على أن العلم بكون العبد موجدا لأفعاله نظري ، فتمسكوا بوجوه عقلية ونقلية.
الدليل الأول
أما العقليات فمرجعها إلى خمسة.
الأول : وهو عمدتهم الكبرى ، وعروتهم الوثقى ، أنه لو لم يكن العبد موجدا لأفعاله بالاستقلال لزم فسادات منها بطلان المدح والذم عليها. [إذ لا معنى للمدح والذم] (٢) على ما ليس بفعل له ، ولا واقع بقدرته واختياره. وردّ بالمنع بل ربما يمدح أو يذم على ما هو محل له كالحسن والقبح واعتدال القامة ، وإفراط القصر. ومنها بطلان التكاليف من الأوامر والنواهي ، إذ لا معنى للأمر بما لا يكون فعلا للمأمور ، ولا يدخل في قدرته ، بل ما لا يطيقه المرض ونحوه حتى أن العقلاء يتعجبون منه ، وينسبون الآمر إلى الحمق والجنون بمنزلة من يطلب من إنسان خلق الحيوان ، والطيران إلى السماء. بل من الجماد المشي على الأرض والصعود في الهواء ، وكذا الثواب والعقاب إذ لا وجه للثواب والعقاب على ما هو بخلق المثيب والمعاقب حتى أن من يعاقب على ما يخلقه كان أشد ضررا على العبد من الشيطان ، وأحق منه بالذم إذ ليس منه إلا الوسوسة (٣) والتزيين ، ومنها بطلان فوائد الوعد والوعيد وإرسال
__________________
(١) الحمق ضد العقل وقال الجوهريّ : الحمق والحمق قلة العقل حمق يحمق حمقا وحماقة ، واستحمق الرجل إذا فعل الحمقى وتحامق فلان : إذا تكلف الحماقة وقال الشاعر :
إن للحمق نعمة في رقاب الناس |
|
تخفى على ذوي الألباب |
راجع لسان العربي ج ١١ ص ٣٥٣.
(٢) ما بين القوسين سقط من (ب).
(٣) الوسوسة ، والوسواس : الصوت الخفي من ريح والوسواس صوت الحلى ، والوسواس حديث النفس يقال : وسوست إليه نفسه ووسوسة وسواسا ، والوسواس بالفتح الشيطان وفي الحديث الحمد لله الذي ـ