وقالت الفلاسفة لما (١) كانت جميع صور الموجدات الكلية والجزئية حاصلة من حيث هي معقولة في العالم العقلي بإبداع الأول الواجب إياها ، وكان إيجاد ما يتعلق منها بالمادة في المادة مختلفا على سبيل الإبداع ممتنعا إذ هي غير متأتية لقبول صورتين معا فضلا عن أكثر ، وكان الجود الإلهي مقتضيا لتكميل المادة بإبداع تلك الصور فيها ، وإخراج ما فيها بالقوة من قبول تلك الصور إلى العقل قدر بلطيف حكمته زمانا يخرج فيه تلك الأمور من القوة إلى الفعل ، فالقضاء عبارة من وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الإبداع ، والقدرة عبارة عن وجودها في موادها الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد ، كما قال عز من قائل (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢).
قالوا ودخول الشر في القضاء الإلهي على سبيل التبع ، فإن الموجود إما خير محض كالعقول والأفلاك ، أو الخير غالب عليه كما في هذا العالم ، فإن المرض وإن كثر فالصحة أكثر منه ، ولما امتنع عقلا إيجادها (٣) في هذا العالم مبرأ عن الشرور بالكلية ، فإن المطر المخصب للبلاد يخرب بعض الدور بالضرورة وجب في الحكمة إيجاده لأن ترك الخير الكثير ، لأجل الشر القليل شر كثير ، فدخل الشر في القضاء ، وإن كان مكروها غير مرضى
__________________
(١) في (أ) كما بدلا من (لما).
(٢) سورة الحجر آية رقم ٢١.
(٣) في (أ) إيجاد ما بدلا من (إيجادها).