تمسكوا في كون المتولد فعلا للعبد سواء تولد من فعله المباشر أو فعله المتولد كحركة الآلة ، وحركة المتحرك بالآلة بمثل ما ذكروا في مسألة خلق الأعمال من وقوعه على وفق القصد ، والداعية ومن حسن المدح والذم والأمر والنهي ، بل استحسان المدح والذم على الأفعال المتولدة كالكتابة والصناعة (١) وإنشاء الكلام ، والدفع والجذب والقتل والحرب ، أظهر عند العقلاء من المدح والذم على المباشرات لأنها لا تظهر ظهور المتولدات ، وكذا الوقوع بحسب الدواعي أظهر فيها ، لأن أكثر الدواعي إنما يكون إلى المتولدات.
والجواب : مثل ما مرّ وذهب النظام من المعتزلة إلى أنه لا فعل للعبد إلا ما يوجد في محل قدرته والباقي بطبع المحل. وقال معمر لا فعل للعبد إلا الإرادة وما يحدث بعدها : إنما هو بطبع المحل وقيل لا فعل للعبد إلا الفكر ، قالوا لو كان المتولد فعلنا لم يقع إلا بحسب دواعينا كالمباشرة (٢) واللازم باطل ، لأن كثيرا من أرباب الصناعات ينقضون أعمالهم لعدم موافقتها دواعيهم وأغراضهم. وأيضا لو كان فعلنا لصح منا أن لا نفعله بعد وجود السبب لأن شأن القادر صحة أن يفعل وأن لا يفعل ، واللازم ظاهر البطلان كما في السهم المرسل من القوس.
والجواب : أن عدم الموافقة للفرض كمانع مثل الخطأ في تهيئة الأسباب ، وكذا عدم التمكن من ترك الفعل لمانع مثل إحداث السبب التام لا ينافي كونه فعل الفاعل فإن موافقة الفرض ، وتمكن القادر من الترك والفعل إما يكونان عند وجود الأسباب وانتفاء الموانع ، واحتج أصحابنا بوجوه.
الأول : أن الجسم الملتزق طرفاه بيدي قادرين إذا جذبه أحدهما ودفعه الآخر معا فحركته إما أن تقع بمجموع القدرتين ، فيلزم اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد أو بإحداهما فيلزم الترجح بلا مرجح أو لا بهما وهو المطلوب ، وفيه نظر إذ للخصم أن يمنع استقلال كل من القوتين بإحداث الحركة على الوجه الذي وقع باجتماعهما غاية الأمر أنها تستقل بإحداث حركة ذلك الجسم في الجملة.
__________________
(١) في (أ) الصباغة بدلا من (الصناعة).
(٢) في (أ) المباشر بدلا من (المباشرة).