لا كما زعم المستدل ولهذا صرح ، في آخر الآية بنفي مشيئة هدايتهم ، وأنه لو شاء لفعل البتة إزالة للوهم الذي ذهب إليه المستدل.
السابع : قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) دلّ على أنه أراد من الكل الطاعة والعبادة لا المعصية.
ورد بعد تسليم دلالة لام الفرض على كون ما بعدها ، مرادا بمنع العموم للقطع بخروج من مات على الصبا أو الجنون ، فليخرج من مات على الكفر.
ولو سلم فليس المقصود بيان خلقهم لهذا الغرض بل بيان استغنائه عنهم وافتقارهم إليه بدليل قوله تعالى (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (٢) فكأنه قال وما خلقتهم لينفعوني بل لآمرهم بالعبادة أو ليتذللوا إليّ أما بالنسبة إلى المطيع فظاهر ، وأما بالنسبة إلى العاصي فبشهادة الفطرة على تذلله ، وإن تخرص وافترى. كذا في الارشاد لإمام الحرمين.
وذهب كثير من أهل التأويل إلى أن المعنى ليكونوا عبادا لي فتكون الآية على عمومها على أنها يعارضها قوله تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) (٣) وقوله تعالى (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (٤) وجعل اللام للعاقبة كما في قوله تعالى (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٥) إنما يصح في فعل من يجهل العواقب فيفعل لغرض فلا يحصل ذلك بل ضده فيجعل كأنه فعل الفاعل لهذا الغرض الفاسد تنبيها على أخطائه ، وكيف يتصور في علام الغيوب أن يفعل فعلا لغرض يعلم قطعا أنه لا يحصل البتة بل يحصل ضده. والعجب من المعتزلة كيف لا يعدون ذلك سفها وعبثا ..؟
__________________
(١) سورة الذاريات آية رقم ٥٦.
(٢) سورة الذاريات آية رقم ٥٧.
(٣) سورة الأعراف آية رقم ١٧٩.
(٤) سورة آل عمران آية رقم ١٧٨.
(٥) سورة القصص آية رقم ٨.