لأنه قد يعقل الفعل ولا يعقل حسنه أو قبحه ، ومع ذلك فهو وجودي غير قائم بنفسه ، وهذا معنى العرض ، أما عدم القيام بنفسه ، فظاهر. وأما الوجود فلأن نقيضه لا حسن وهو سلب إذا لم يكن سلبا لاستلزم محلا موجودا فلم يصدق على المعدوم أنه ليس بحسن وهذا باطل بالضرورة وإذا كان أحد النقيضين سلبيا ، كان الآخر وجوديا ضرورة امتناع النقيضين ثم إنه صفة (١) للفعل الذي هو أيضا عرض يلزم قيام العرض بالعرض ، واعترض بأن النقيضين قد يكونان عدميين كالامتناع واللاامتناع ، وبأن صورة السلب أعني ما فيه حرف النفي لا يلزم من صدقه على المعدوم أن يكون سلبا محضا لجواز أن يكون مفهوما كليا يصدق على أفراد بعضها وجودي ، وبعضها عدمي كالأمكن (٢) الصادق على الواجب والممتنع ، وبأنه منقوض بإمكان الفعل ، فإنه ذاتي له مع إجراء الدليل فيه ، وإنما لم ينقضوا الدليل بأنه يقتضي أن لا يتصف الفعل بالحسن الشرعي للزوم قيام العرض بالعرض ، لأن الحسن الشرعي عند التحقيق قديم لا عرض ، ومتعلق بالفعل لا صفة له ، وقد بينا ذلك في شرح الأصول.
السادس : لو حسن الفعل أو قبح لذاته أو لصفاته وجهاته (٣) لم يكن الباري مختارا في الحكم واللازم باطل بالإجماع. وجه اللزوم أنه لا بد في الفعل من حكم ، والحكم على خلاف ما هو المعقول قبيح لا يصح عن الباري. بل يتعين عليه الحكم بالمعقول الراجح بحيث لا يصح تركه ، وفيه نفي للاختيار.
واعترض بأنه وإن لم يفعل القبيح لصارف الحكمة (٤) ، لكنه قادر عليه ، بتمكن منه ، ولو سلم فالامتناع لصارف الحكمة لا ينفي الاختيار على أن الحكم عندكم قديم ، فكيف يكون بالاختيار ، اللهم إلا أن يقصد الإلزام أو يراد جعله متعلقا بالأفعال.
__________________
(١) في (ب) صيغة بدلا من (صفة).
(٢) في (ب) كلا إمكان بدلا من (كالأمكن).
(٣) في (أ) وجله بدلا من (وجهاته).
(٤) الحكمة : المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى. قاله مالك ورواه عنه ابن وهب وقاله ابن زيد ، وقال قتادة «الحكمة» السنة وبيان الشرائع ، وقيل الحكم والقضاء خاصة. راجع تفسير القرطبيّ ج ٢ ص ١٣١.