ليس مما أمر الشارع به ، وحكم بأن (١) فاعله يستحق المدح ، وتاركه الذم عند الله تعالى والمعتزلة إنما يقولون بالوجوب بمعنى استحقاق تاركه الذم عند العقل ، أو بمعنى اللزوم عليه كما في تركه من الإخلال بالحكمة.
قلنا : على الأول لا نسلّم أنه يستحق الذم عقلا (٢) على فعل أو ترك ، فإنه المالك على الإطلاق. وعلى الثاني لا نسلم أن شيئا من أفعاله يكون بحيث يحل تركه بحكمة لجواز أن يكون له في كل فعل أو ترك حكم ومصالح لا تهتدي إليها العقول ، فإنه الحكيم الخبير على أنه لا معنى للزوم عليه (٣) إلا عدم التمكن من الترك ، وهو ينافي الاختيار. ولو سلّم فلا يوافق مذهبهم أن صدور الفعل عنه على سبيل الصحة من غير أن ينتهي الوجوب. ولهذا اضطر المتأخرون منهم إلى أن معنى الوجوب على الله أنه يفعله البتة ، ولا يتركه ، وإن كان الترك جائزا كما في العاديات. فإنا نعلم قطعا أن جبل (٤) أحد باق على حاله لم ينقلب ذهبا وإن كان جائزا.
والجواب : أن الوجوب حينئذ مجرد تسمية والحكم بأن الله تعالى يفعل البتة ما سميتموه واجبا جهالة وادعاء من شرذمة بخلاف العاديات ، فإنها علوم ضرورية خلقها الله تعالى لكل عاقل ، والعجب أنهم لا يسمون كل ما أخبر به الشارع من أفعاله واجبا عليه ، مع قيام الدليل على أنه يفعله البتة.
__________________
(١) في (ب) فإن بزيادة (الفاء).
(٢) في (أ) بزيادة ، (عقلا).
(٣) في (ب) لا لوم بدلا من (للزوم).
(٤) الجبل في اللغة : المرتفع الشامخ من الأرض ، وضده السهل والجمع جبال ويقال للجبال الأعلام والأطواد والرواسى وجاءت هذه الترادفات جميعا في القرآن ، قال تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) وقال : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ).
وجبل أحد : بالقرب من المدينة تنسب إليه المعركة التي نشبت بين المسلمين والمشركين من قريش في ١١ شوال عام ٣ ه مارس ٦٢٤ م.