يصح كهبة المجهول. وقيل يصح لما فيه من نفع الجاني ، والجهالة لا تمنع صحة الإسقاط كما في الإعتاق والإبراء ، وكذا يصح نقله إلى الغير بأن يهب عوضه من غيره ، لكن شبهة الجهالة في ذلك متأكدة. ومنها اختلافهم في أن العوض هل يجب أن يكون في الآخرة ، وهل يحيط بالذنوب اعتبارا بالثواب ، أم يجوز في الدنيا ، ولا يحيط أصلا لعدم الدليل على النقيض ، وفي أنه هل يجوز التفضل بمثل الأعواض ابتداء من غير سبق ألم ، أم لا؟ وعلى تقدير الجواز هل يجوز الإيلام وتحسن المحن لمجرد العوض؟ كما هو رأي أبي علي بناء على أن للعوض اللازم للمستحق مزية على المتفضل به من غير لزوم ، واستحقاق أم لا بد مع ذلك من أن يكون ألطافا للمؤلم في الزجر عن القبيح؟ ولغيره بحسب الاتعاظ والاعتبار؟ كما هو رأي الضميري (١) ، أم لا بد من كلا الأمرين كما هو رأي أبي هاشم بناء على أنه لما جاز مثل العوض ابتداء كان الإيلام لمجرد العوض عبثا خارجا عن الحكمة ، وما يقال من أن للمستحق اللازم مزية على المتفضل به الغير اللازم فإنما هو في حق من وقف من تفضله.
فإن قيل : وهل يجوز إيلام الغير لمنفعته بدون رضاه.
قلنا : نعم إذا كانت منفعة عظيمة موقنة تتفق العقلاء على إيثار ذلك الألم (٢) لأجلها.
__________________
(١) هو محمد بن عمر الضمريّ : أبو عبد الله شيخ المعتزلة في البصرة انتهت إليه رياستهم بعد الجبائيّ ، وهو أستاذ أبي سعيد السيرافي من كتبه «الرد على ابن الراونديّ» توفي عام ٣١٥ ه راجع سير النبلاء الطبقة الثامنة عشرة ولسان الميزان ٥ : ٣٢٠
(٢) الألم : مصدر ألم يألم ، كعلم يعلم ، وهو مقابل للذة ، والألم واللذة هما من الأحوال النفسية الأولية ، فلا يعرفان ، بل تذكر خواصهما وشروطهما دفعا للالتباس اللفظي.
قال ابن سينا : إن اللذة هي إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك ، والألم إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر (الاشارات ، ص ١٩).
والمراد بالإدراك العلم ، وبالنيل تحقق الكمال لمن يلتذ ، فإن التكليف بالشيء لا يوجب الألم واللذة من غير إدراك فلا ألم ولا لذة للجماد بما يناله من الكمال والنقص ، وإدراك الشيء من غير النيل لا يؤلم ولا يوجب لذة ، كتصور الحلاوة والمرارة ، فالألم واللذة ، لا يتحققان إذن دون الادراك والنيل ، وإنما قال عند المدرك لأن الشيء قد يكون كمالا وخيرا بالقياس إلى شخص ولا يعتقد كماليته فلا يلتذ به (راجع الكشاف للتهانوي)