عن تلك المضار. وأجيب (١) بأن الحديث خبر واحد في مقابلة القطعي مع أنه لا يدل على كيفية الانتصاف فلعلها تكون بإيفاء العوض من عنده ، وأما التكليف فإنما هو لحفظ المواشي عن السباع والأموال عن الضياع ، حتى لا يجب منع الهرة عن أكل الحشرات والعصافير ، بل قد يحرم لكونه منعا للرزق عنها ، اللهم إلا إذا تألم قلب العاقل بالافتراس فيجب المنع دفعا لتضرره بتألم قلبه ومنها أن الإيلام بأمر الله كما في استعمال البهائم أو بإباحته كما في ذبحها أو بتمكينه مع تأخير الانتصاف إلى دار الجزاء كما في المظلوم عوضه على الله تعالى لتعاليه عن الظلم ومنها أنه إذا استوى لذة وألم في كونهما لطفا ، فالجمهور على أنه يتعين اللذة ، ويقبح الألم. لأنه إنما يحسن إذا تعين طريقا للعوض واللطف. وقال أبو هاشم (٢) : بل يتخير منهما كما بين المنفعتين لأن الإيلام بكونه عوضا ولطفا قد خرج عن كونه عبثا وظلما ، ومنها أن العوض يستحق دائما عند أبي علي كالثواب. إذ لو انقطع لاغتم بانقطاعه فثبت عوض آخر وهلمّ جرا ، ومنقطعا عند أبي هاشم إذ لو شرط الدوام لما حسن بدونه ، واللازم باطل لأن العقلاء قد يستحسنون الآلام لمنافع منقطعة ، ومنها أنهم اختلفوا في أنه هل يشترط عند إبقاء العوض علم المعوض بأنه حقه كالثواب أم لا بناء على أن العوض منه مجرد اللذة والمنفعة. وفي الثواب قصد التعظيم به بما لا يثبت بدون علمه بذلك ، ومنها أنه هل يجوز التفضل بقضاء عوض المظلوم عن الظالم؟ بناء على أن حقه في الأعواض المقابلة بالمضار وقد وصلت أم لا بناء على أن حقه في الأعواض الواجبة ، ولم تصل وأنه لو جاز التفضل لعوضه ، لجاز ترك الانتصاف من الظالم وهو باطل ، ومنها أن العوض الواجب على الله ، لا يصح إسقاطه إذ لا نفع فيه لأحد ، لكن يصح نقله إلى الغير نفعا له بخلاف لثواب ، فإن جهة التعظيم لا تقبل ذلك ، وأما الواجب على العبد ، وعند القاضي لا
__________________
(١) في (أ) واجب بدلا من (وأجيب) وهو تحريف.
(٢) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من أبناء أبان مولى عثمان : عالم بالكلام من كبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سميت (البهشمية) نسبه إلى كنيته (أبي هاشم) وله مصنفات في الاعتزال كما لابيه من قبله مولده عام ٢٤٧ ه ووفاته ببغداد عام ٣٢١ ه راجع المقريزيّ ٢ : ٢٤٨ ووفيات الأعيان ١ : ٢٩٢ والبداية والنهاية ١١ : ١٧٦ وميزان الاعتدال ٢ : ١٣١ وتاريخ بغداد ١١ : ٥٥ وفيه أبو هاشم شيخ المعتزلة ومصنف الكتب على مذهبهم.