كي لا يتألم أو يتفضل الله عليه بمثل تلك الأعواض عقيب انقطاعها ، فلا يتألم. وإن كان من أهل النار أسقط الله تعالى باعواضه جزءا من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف ، وذلك بأن يفرق القدر المسقط على الأوقات المتتالية لئلا ينقطع ألمه. وفسروا الظلم بضرر غير مستحق لا يشتمل على نفع أو دفع ضرر معلوم ، أو مظنون (١) ، ولا يكون دفعا عن نفسه ، ولا مفعولا بطريق جري العادة ، فخرج العقاب ومشقة السفر والحجامة ودفع الصائل ، وإحراق الله تعالى الصبي الملقى في النار. فإن الإيلام إذا كان مستحقا أو مشتملا على نفع أو دفع ضر ، وعاديا لا يكون ظلما ، بل يكون حسنا (٢) يجوز صدوره عن الله تعالى من غير عوض عليه (٣). ثم للمعتزلة في بحث الآلام والأعواض فروع واختلافات لا بأس بذكر بعضها منها : أن الألم إذا وقع جزاء لسيئة فهي عقوبة لا عوض عليها ، وإن لم يقع فإن كان من الله تعالى وجب العوض عليه ، وإن كان مكلفا فإن كان له حسنات أخذ الله حسناته ، وأعطاها المؤلم عوضا لإيلامه ، وإن لم يكن له حسنات فعلى الله العوض من عنده حيث مكن الظالم ولم يصرفه عن الإيلام. فالواجب قبل الوقوع إما الصرف ، وإما التزام العوض ، وإن كان من غير عاقل كالأطفال والوحوش والسباع. فإن كان ملجأ إليه بسبب من الله تعالى كجوع وخوف ونحوهما : فالعوض على الله تعالى. وإلا فعلى المؤلم عند القاضي ، وعلى الله تعالى عند أبي علي لأن التمكين وعدم المنع بعلم أو نهي إغراء على إيصال تلك المضار. فأخذ العوض منها يكون ظلما بمنزلة من ألقى الطعام إلى كلب فأكله ، ثم أخذ يضربه ، وللقاضي ما ورد في الحديث من أنه : «يأخذ للجماء من القرناء» (٤) وما ثبت في الشرع من وجوب منعها
__________________
(١) الظن : معروف ، وقد يوصع موضع العلم ، وبابه رد ، وتقول ظننتك زيدا وظننت زيدا إياك ، تضع الضمير المنفصل موضع المتصل والظنين : المتهم والظنة ، التهمة يقال منه أطنه وأظنه بالطاء والظاء إذا اتهمه وفي حديث ابن سيرين (لم يكون علي ـ رضى الله عنه ـ يظن في قتل عثمان ـ رضي الله عنه) وهو يفتعل من يظتن فأدغم (ومظنة) الشيء موضعه ومكان الذي يظن كونه فيه ، والجمع المظان.
(٢) في (ب) شيئا بدلا من (حسنا)
(٣) في (ب) عن بدلا من (من)
(٤) الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ : ٣٦٣ (؟؟؟؟ ـ حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن واصل عن يحيى بن عقيل ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
«يقبض الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء ، وحتى الذرة من الذرة».