عليه ، واختلفوا في لزوم دوام العوض ، وفي لزوم العلم عند الإبقاء بكونه حقه ، وفي جواز التفضل بقضاء عوض المظلوم عن الظالم ، وفي وجوب كون العوض في الآخرة ، وفي حبوطه بالذنوب ، وفي جواز التفضل بمثل الأعواض من غير سبق الألم ، واضطربوا في أن أعواض آلام الكفار والفساق وغير العاقل كالصبيان والبهائم تكون في الدنيا أم في الآخرة وفي أن البهائم هل تدخل الجنة ، وهل يخلق فيها العلم؟).
يستحق في مقابلة ما يفعل الله تعالى بالعبد من الأسقام والآلام ، وما يجري مجرى ذلك فيخرج الأجر والثواب لكونهما للتعظيم في مقابلة فعل العبد ، وكذا النفع المتفضل به لكونه غير مستحق ، ووجه وجوبه على الإطلاق أن تركه قبيح لكونه ظلما ، فيجب فعله.
قالوا : ويستحق على الله تعالى بإنزاله الآلام على العبد ، وبتفويته المنافع عليه لمصلحة الغير عليه كالزكاة ، وبإنزاله الغموم التي لا تستند إلى فعل العبد كالغم (١) المستند إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن بوصول مضرة أو فوات منفعة ، بخلاف المستند إلى جهل مركب لأنه من العبد ، وبأمر العباد بالمضار كالذبح لمثل الهدي ، والنذر. أو إباحته إياها كالصيد ، أو تمكينه غير العاقل كالوحوش والسباع من غير إضرار العباد لا بمثل ألم الاحتراق حين ألقي صبي في النار ، وألم القتل بشهادة الزور. لأن الأول مما وجب طبعا بخلق الله تعالى ذلك فيها بطريق جري العادة ، فالعوض على الملقى ، والثاني مما وجب شرعا بفعل الشهود ، فعليهم العوض ، وأما في تمكين الظالم من الظلم فالعوض على الله تعالى فإن الانتصاف واجب عليه. قالوا فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله تعالى أعواضه الموازنة بظلم الظالم على الأوقات المتتالية على وجه لا يتبين انقطاعها ،
__________________
(١) الغم : واحد الغموم. تقول منه غمه فاغتم ، وتقول (غمه) أي غطاه فانغم ، والغمة : الكربة ويقال : أمر غمّة أي مبهم ملتبس قال الله تعالى : (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) قال أبو عبيدة : مجازها ظلمة وضيق وهم.
وغم عليه الخبر على ما لم يسم فاعله أي استعجم مثل أغمى ، ويقال أيضا غم الهلال على الناس إذا ستره عنهم غيم فلم ير والغمام السحاب : الواحدة غمامة ، وقد أغمت السماء أي تغيمت.