وشياطينهم ، أو كان في علم الله تعالى ممن يكفر ، وأما إذا علم من المؤمن أنه يكفر أو يفسق ثم يتوب ، أو من الكافر والفاسق أنه يزداد كفرا وعصيانا ، ولا يتوب فلا يجب الاخترام ، كما لا يجب تبقية المؤمن إذا علم منه زيادة الطاعة ، ولا تبقية الطفل إذا علم منه أنه لو كلفه آمن ، وأما تبقية إبليس وتمكينه. فقال أبو علي : إنما يحسن إذا كان المعلوم أن من يعصي بوسوسته يعصي لو لا وسوسته. (١)
قال (الخامس الأصلح)
(الخامس الأصلح للعباد في الدين عند البصرية ، والدنيا أيضا عند البغدادية ، واتفقوا على وجوب الاقدار والتمكين ، وأقصى ما يمكن من الأصلح لكل أحد ، حتى ليس في المقدور ما لو فعل بالكفار لآمنوا جميعا ، وإلا لكان تركه بخلا وسفها ، كالحكيم (٢) أمر بطاعته ، ولم يعط مع القدرة وعدم التضرر ما يوصل إليه ، وكالكريم استدعى حضور ضيف ، وترك تلقيه بالبشاشة إلى الفظاظة (٣). وقد يتمسك بأن وجوب الفعل عند خلوص الداعي ، والقدرة قطعي ، ونحن نقول بعد التنزل ، لو وجب الأصلح لما خلق الكافر الفقير المبتلى طول عمره بالمحن والآفات ، لوجب بمقتضى تمثيلاتكم على كل أحد ، ما هو الأصلح لعبيده ، وألزم أن يكون الأصلح للكفار الخلود في النار ، وأن يكون كل ما يفعله بالعباد أداء الواجب ، فلا يستوجب شكرا ، وأن تتناهى مقدوراته من اللطف ، وأن تكون إماتة الأنبياء ، والأولياء والمحسنين والكرماء ، وتبقية الظلمة والغواة ، وإبليس والذاريات ومن
__________________
(١) الوسوسة : حديث النفس يقال : وسوست إليه نفسه (وسوسة) وسواسا بكسر الواو.
والوسواس : بالفتح الاسم كالزلزال والزّلزال وقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) يريد إليهما ، ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل ويقال لصوت الحلى (وسواس). والوسواس أيضا اسم الشيطان.
(٢) ورد في القرآن لفظ الحكيم على خمسة أوجه :
الأول : بمعنى الأمور المقضية على وجه الحكمة قال تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الثاني : بمعنى اللوح المحفوظ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).
الثالث : بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ).
وقيل : معنى الحكيم المحكم ، قال تعالى : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ) سورة هود آية رقم ١.
(٣) الفظّ من الرجال الغليظ ، وقد فظ يفظ بالفتح فظاظة بفتح الفاء.