لا خلاف في جواز إطلاق الأسماء والصفات على الباري تعالى إذا ورد إذن الشرع وعدم جوازه إذا ورد منعه. وإنما الخلاف فيما لم يرد به إذن ولا منع ، وكان هو موصوفا بمعناه ، ولم يكن إطلاقه عليه مما يستحيل في حقه ، فعندنا لا يجوز ، وعند المعتزلة يجوز ، وإليه مال القاضي أبو بكر منا (١) ، وتوقف إمام الحرمين (٢) ، وفصل الإمام الغزالي (٣) رحمهالله فقال بجواز الصفة ، وهو ما يدل على معنى زائد على الذات دون الاسم ، وهو ما يدل على نفس الذات ، ويشكل هذا بمثل الإله اسما للمعبود ، والكتاب اسما للمكتوب ، والرسم اسما لما رم من العظام أي بلي ، وبأسماء الزمان (٤) والمكان والآلة ، ولعل المتكلم يلتزم كونها صفات ، وإن كانت اسما عند النحاة ، وقد أورد تمام تحقيق الفرق في فوائد شرح الأصول لنا. أنه لا يجوز أن يسمى النبي صلىاللهعليهوسلم بما ليس من أسمائه ، بل لو سمي واحد من أفراد الناس بما لم يسمه به أبواه لما ارتضاه. فالباري تعالى وتقدس أولى. قالوا أهل كل لغة يسمونه باسم مختص بلغتهم كقولهم خذامي وتنكري ، وشاع ذلك وذاع من غير نكير وكان إجماعا.
قلنا : كفى بالإجماع دليلا على الإذن الشرعي ، وهذا ما يقال انه لا خلاف فيما يرادف الأسماء الواردة في الشرع.
قال إمام الحرمين : معنى الجواز وعدمه الحل والحرمة ، وكل منهما حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي ، والقياس (٥) إنما يعتبر في العمليات دون الأسماء
__________________
ـ الفاء فيهما ، ورجل فطن بكسر الطاء وضمها.
(١) سبق الترجمة للقاضي أبي بكر الباقلاني.
(٢) سبق الترجمة لإمام الحرمين الجويني
(٣) سبق الترجمة لحجة الإسلام الغزالي
(٤) الزمان : الوقت كثيره وقليله ، وهو المدة الواقعة بين حادثتين أولاهما سابقة ، وثانيتهما لاحقة ، ومنه زمان الحصاد ، وزمان الشباب وزمان الجاهلية ، وجمع الزمان أزمنة ، تقول السنة أربعة أزمنة أي أقسام وفصول ، وتقول أيضا الأزمنة القديمة ، أو الأزمنة الحديثة.
(٥) القياس : التقدير ، يقال الشيء إذا قدره ، ويستعمل أيضا في التشبيه ، أي في تشبيه الشيء بالشيء يقال : هذا قياس ذاك إذا كان بينهما تشابه.
والقياس اللغوي : رد الشيء إلى نظيره ، والقياس الفقهي حمل فرع على أصله ، لعلة مشتركة بينهما.