هي الأبعاض ، وكل مركب محتاج إلى جزئه ، ولا شيء من المحتاج بواجب ، وليس بعرض لأن كل عرض محتاج إلى محل يقومه ، إذ لا معنى له سوى ذلك ولا جوهر ؛ لأن معنى الجوهر ممكن يستغني عن المحل أو ماهية إذا وجدت كانت لا من موضوع فيكون وجوده زائدا عليه ، والواجب ليس كذلك على ما سبق ، وليس في مكان وجهه ؛ لأن المكان (١) اسم للسطح الباطن من الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوى أو للفراغ الذي يشغله الجسم والجهة اسم المنتهى مأخذ الإشارة ، ومقصد المتحرك فلا يكونان إلا للجسم والجسماني والواجب ليس كذلك.
وللمتكلمين خصوصا القدماء منهم في هذه التنزيهات مسلك آخر ففي نفي الجوهرية والعرضية أن الجوهر اسم لما يتركب منه الشيء ، والعرض لما يستحيل بقاؤه وإن كان يصح في الشاهد أن كل جوهر قائم بنفسه وكل قائم بنفسه جوهر ، وكل عرض قائم بالغير وكل قائم بالغير عرض ، إلا أن إطلاق الاسم ليس من هذه الجهة ، بل من جهة ما ذكرنا بدلالة اللغة.
يقال : فلان يجري على جوهره الشريف ، أي أصله وهذا الثوب جوهريّ. أي محكم الأصل جيد الصنعة وهذا الأمر عارض أي يزول ، وعرض لفلان أمر
__________________
(١) المكان الموضع ، وجمعه أمكنة وهو المحل المحدد الذي يشغله الجسم تقول مكان فسيح ، ومكان ضيق ، وهو مرادف للامتداد ، ومعناه عند ابن سينا السطح الباطن من الجرم الحاوي المماس للسطح الظاهر للجسم المحوي (راجع رسالة الحدود ٩٤). وعند المتكلمين : الفراغ المتوهم الذي يشغله الجسم ، وينفذ فيه أبعاده (تعريفات الجرجاني). والمكان عند الحكماء الإشراقيين هو البعد المجرد الموجود ، وهو ألطف من الجسمانيات ، وأكثف من المجردات ، ينفذ فيه الجسم وينطبق البعد الحال فيه على ذلك البعد في أعماقه وأقطاره ، فعلى هذا يكون المكان بعدا منقسما في جميع الجهات ، مساويا للبعد الذي في الجسم ، بحيث ينطبق أحدهما على الآخر ، ساريا فيه بكليته (كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي). والمكان عند المحدثين وسط مثالي غير متداخل الأجزاء ، حاو للأجسام المستقرة فيه ، محيط بكل امتداد متناه ، وهو متجانس الأقسام متشابه الخواص في جميع الجهات.