أن يجزأ على ذلك ، ولا على إطلاق الجسم عليه بمعنى الموجود. إما سمعا فلعدم ادن الشارع ، وإما عقلا فلإيهامه بما عليه المجسمة من كونه جسما بالمعنى المشهور ، ولما (١) عليه النصارى من أنه جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم (٢) على ما سيجيء. وأما القائلون بحقيقة الجسمية والحيز والجهة ، فقد بنوا مذهبهم على قضايا وهمية كاذبة تستلزمها ، وعلى ظواهر آيات وأحاديث مشير (٣) بها. أما الأول : فكقولهم كل موجود فهو إما جسم أو حال في جسم والواجب يمتنع أن يكون حالا في الجسم لامتناع احتياجه فيتعين أن يكون جسما. وكقولهم : كل موجود إما متحيز أو حال في التحيز ويتعين كونه متحيزا لما مرّ ، وكقولهم : الواجب إما متصل بالعالم أو منفصل عنه ، وأيا ما كان يكون في جهة منه.
وكقولهم : الواجب إما داخل في العالم فيكون متحيزا أو خارجا عنه فيكون في جهة منه ، ويدعون في صحة هذه المنفصلات ، وتمام انحصارها الضرورة والجواب : المنع كيف وليس تركيبها عن الشيء ونقيضه ، أو المساوى لنقيضه ، وأطبق أكثر العقلاء على خلافها ، وعلى أن الموجود إما جسم أو جسماني ، أو ليس بجسم ، ولا جسماني ، وكذا باقي التقسيمات المذكورة ، والجزم بالانحصار في القسمين ، إنما هو من الأحكام الكاذبة للوهم ، ودعوى الضرورة مبنية على العناد والمكابرة ، أو على أن الوهميات كثيرا ما تشتبه بالأوليات.
وأما الثاني : فلقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) (٤) (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ
__________________
(١) في (ب) وبما بدلا من (ولما).
(٢) يراجع في ذلك ما كتبه الإمام الجويني في كتابه (الشامل في أصول الدين) حيث تكلم عن الأقانيم وذكر مذاهب النصارى فيها مع استقصاء وجوه الرد فيها. وناقشهم مناقشة العالم الفاهم لأمور دينه وفند مذاهبهم في الاتحاد ودرع اللاهوت بالناسوت ص ٥٧٥ وما بعدها وقد قمنا بالتعريف بالأقانيم فيما تقدم من هذا الكتاب.
(٣) في (أ) تشعر بها.
(٤) سورة الفجر آية رقم ٢٢.