يمتنع ظهور الروحاني بالجسماني كجبريل في صورة دحية الكلبي (١) ، وكبعض الجن أو الشياطين في صورة الأناسى (٢) فلا يبعد أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين. وأولى(٣) الناس بذلك علي وأولاده المخصوصون الذين هم خير البرية ، والعلم ؛ وفي الكلمات العلمية ، والعملية (٤) فلهذا كان يصدر عنهم في العلوم والأعمال ما هو فوق الطاقة البشرية.
ومنهم بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن (٥) في السلوك ، وخاصة لجهة الأصول ، فربما يحل الله فيه تعالى الله (٦) عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وكالنار في الحجر ، بحيث لا يتمايز أو يتحد به بحيث لا اثنينية ولا تغاير.
وصح أن يقول : هو أنا ، وأنا هو. وحينئذ يرتفع الأمر والنهي ، ويظهر من الغرائب والعجائب ما لا يتصور من البشر ، وفساد الرأيين غني عن البيان. وهاهنا مذهبان آخران يوهمان بالحلول والاتحاد ، وليسا منه في شيء.
الأول : أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله تعالى وفي الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته تعالى (٧) وصفاته في صفاته. ويغيب عن كل ما سواه ، ولا يرى في الوجود إلا الله تعالى وهذا الذي يسمونه الفناء في التوحيد (٨) وإليه يشير الحديث الإلهي «إن العبد لا يزال يتقرب إليّ حتى
__________________
(١) هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي ، صحابي بعثه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم برسالته إلى قيصر يدعوه للإسلام ، وحضر كثيرا من الوقائع ، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة ، وشهد اليرموك ثم نزل دمشق وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية توفي نحو ٤٥ ه.
راجع الاصابة ٤٧٢ ، وتهذيب ابن عساكر ٢٦٨ وفيه دحية بفتح الدال وفي القاموس بالكسر وتفتح.
(٢) سقط من (ب) في صورة.
(٣) في (ب) وأقل وهو تحريف.
(٤) في (أ) بزيادة العملية.
(٥) في (ب) أمضى بدلا من (أمعن).
(٦) سقط من (ب) لفظ (فيه).
(٧) في (أ) بزيادة لفظ (تعالى).
(٨) الفناء : زوال الشيء والفرق بينه وبين الفساد أن فناء الشيء عدمه على حين أن فساده تحوله إلى شيء آخر.