لنا وجوه :
الأول : طريقة القدماء وهو اعتبار الغائب بالمشاهد ، وتقريره على ما ذكره إمام الحرمين (١) أنه لا بدّ في ذلك من جامع للقطع بأنه لا يصح في الغائب الحكم بكونه جسما محدودا بناء على أنا لا نشاهد الفاعل إلا كذلك.
والجوامع أربعة : العلة والشرط ، والحقيقة والدليل.
فإنه إذا ثبت في الشاهد كونه الحكم معللا بعلة كالعالمية بالعلم أو مشروطا بشرط كالعالمية بالحياة ، أو تقررت حقيقة (٢) في محقق ككون حقيقة العالم من قام به العلم ؛ أو دلّ دليل على مدلول عقلا ، كدلالة الأحد على المحدث لزم المراد ذلك في لغائب.
وقد ثبت في الشاهد أن حقيقة العالم من قام به العلم. وأن الحكم بكون العالم عالما معلل بالعلم ، فلزم القضاء بذلك في الغائب.
وكذا الكلام في القدرة والحياة ، وغيرهما. وهذا احتجاج على المعتزلة القائلين بصحة قياس الغائب على الشاهد عند شرائطه.
وقد تكون هذه الأحكام في الشاهد معللة بالصفات كالعالمية بالعلم. فلا يتوجه منع الأمرين (٣). نعم يتوجه ما قيل : إن هذه الأحكام إنما تعلل في الشاهد لجوازها فلا تعلل في الغائب لوجوبها. وإن من شرط القياس (٤) أن يتماثل أمران فيثبت
__________________
(١) راجع ترجمة له في وفيات الأعيان ١ : ٢٨٧ ، ودمية القصر والفهرس التمهيدي ٢٠٩ و ٥٥١ ، والسبكي ٢ : ٢٤٩ ، وسير النبلاء المجلد الخامس عشر ومفتاح السعادة ١ : ٤٤٠.
(٢) في (ب) حقيقته.
(٣) في (ب) الآخرين بدلا من (الأمرين) ولعله تحريف.
(٤) القياس : التقدير ، يقال : قاس الشيء إذا قدره ، ويستعمل أيضا في التشبيه ، أي في تشبيه الشيء بالشيء. يقال هذا قياس ذاك إذا كان بينهما تشابه.
والقياس اللغوي : رد الشيء إلى نظيره ، والقياس الفقهي : حمل فرع على أصله لعلة مشتركة بينهما.
والقياس المنطقي : قول مؤلف من أقوال إذا وضعت لزم عنها بذاتها لا بالعرض قول آخر غيرها اضطرارا. (راجع النجاة لابن سينا ص ٤٧).