بأن الصفات كما أنها ليست غير الذات ، ليست عينها ، فكيف يجعل البقاء القائم بالذات بقاء لما ليس بالذات ، ولما لم يقم به البقاء ، ولهذا لا يتصف بعض صفات الذات ، مع أنها ليست غير الذات بالبعض ، فلا يكون العلم مثلا حيا قادرا. فظهر أن علة امتناع جعل بقاء الجوهر بقاء العرض ليست تغايرهما ، بل كون أحدهما ليس الآخر ومنهم من قال: إن الصفة (١) باقية ببقاء جوهر (٢) هو نفسها ، والعلم مثلا ، علم للذات ، فيكون به عالما وبقاء لنفسه ، فيكون به باقيا ، كما أن بقاء الله تعالى بقاء له ، وبقاء للبقاء أيضا ، وهذا كالجسم يكون كائنا بالكون ، والكون يكون كائنا بنفسه ، وجاز حصول باقيين ببقاء واحد ، لأن أحدهما كان قائما بالآخر ، فلم يرد إلى قيام صفة بذاتين بخلاف حصول متحركتين بحركة ، وأسوديين بسواد.
فإن قيل : معلوم أن الشيء إنما يكون عالما بما هو علم ، قادرا بما هو قدرة ، باقيا بما هو بقاء إلى غير ذلك. وهاهنا قد لزم كون الذات عالما ، وقادرا بما هو بقاء ، والعلم باقيا بما هو علم ، والقدرة باقية بما هو قدرة وهو محال.
قلنا : اختلاف الإضافة بدفع الاستحالة ، فإن المستحيل هو أن يكون الشيء عالما أو قادرا بما هو بقاء له ، وباقيا بما هو علم أو قدرة له.
واللازم هو أن الذات عالم أو قادر بما هو بقاء للعلم أو للقدرة ، والعلم أو القدرة باق بما هو علم أو قدرة للذات.
ولقائل أن يقول : فحينئذ (٣) حتى لا يبقى قولكم بقاء الباقي صفة زائدة عليه ، قائمة به على إطلاقه. وأيضا إذا جاز كون بقاء العلم نفسه مع القطع بأن مفهوم البقاء ليس مفهوم العلم. فلم لا يجوز مثله في الصفات مع الذات بأن يكون عالما بعلم هو نفسه ، قادرا بقدرة هي نفسه ، باقيا ببقاء هو نفسه إلى غير ذلك ، ولا يستلزم إلا كون الجميع واحدا بحسب الوجود لا بحسب المفهوم والاعتبار.
__________________
(١) سقط من (ب) جملة (إن الصفة).
(٢) في (أ) بزيادة (جوهر).
(٣) سقط من (أ) فحينئذ.