والحقّ كما مرّ سابقا عدم الفرق بين المذهبين في وجوب الاحتياط في الباقي عند الاضطرار إلى غير المعيّن ، ووجهه أن المفروض أنّ الغرض الواقعي لم يتبدّل ولم يتغيّر عمّا هو عليه بواسطة هذا الاضطرار ، ولهذا لو علم تفصيلا كان اللازم رعاية جانبه ، فنحن وإن قلنا : إنّ فعليّة التكليف تصير مقصورة على تقدير مشكوك التحقّق وهو كون المختار غير الخمر ، لكن نقول : الغرض الفعلي محرز والعقل عند ذلك لا يرخّص في تضييع جانبه بلا جهة.
وبعبارة اخرى : يتصوّر هنا ثلاثة وجوه ، الأوّل : أن يرفع اليد عن الغرض الموجود الواقعي فيرخّص في كلا الطرفين ، والثاني : أن يغضّ العين عن الغرض الحادث ، فيوجب الاحتياط على العبد وإن أوجب هلاكته ، والثالث : أن يرفق بعبده ويحفظ غرضه بقدر الإمكان أيضا فيرخّصه في واحد وأوجب عليه الاحتياط في الآخر ، ومن المعلوم أنّ العقل يحكم بتعيين الأخير.
وإن شئت فقايس ذلك بحال نفسك لو كان لك عبد ووقع ابن لك في البحر في ما بين مائة نفر لم يعرف بينهم بشخصه ، فلا محالة يتعلّق غرضك بإنقاذ العبد ابنك ، ولكن حيث يتوقّف على إنقاذ جميع المائة وهذا يوجب انكسار ظهر العبد وسقوطه عن الفائدة فهل ترى نفسك يجوز عن إنقاذ الابن بمحض إيجاب ذلك لهذه الحالة في العبد ، أو يجوز عن العبد ويحكم بإنقاذ الجميع ، أو يراعي الجانبين؟ فيلزم عليه السعي بمقدار لا يبلغ انكسار فقرات ظهره.
وبالجملة ، ففعليّة الغرض في هذا الباب يكفينا وإن لم يكن التكليف فعليّا.
فإن قلت : هذا التقريب بعينه جار في الاضطرار إلى المعيّن قبل حدوث العلم ، وقد قلت فيه بالبراءة ، فإنّه يعلم بغرض من المولى ، غاية الأمر احتمال مزاحمته بغرض آخر.
قلت : وإن كان يعلم أصل الغرض ، لكن فعليّته وإطلاقه غير معلومة ؛ إذ لعلّه كان في الطرف المضطرّ إليه ، وأمّا في الاضطرار إلى غير المعيّن فإنّه قبل الاختيار مطلق وفعليّ ، ولهذا لو علم تفصيلا كان لازم الرعاية ، نعم بعد الاختيار يصير الحال كتلك الصورة.