دليل اعتبار الأمارة مثل «صدّق العادل» لا يتّصف باللغويّة لو لم تكن أدلّة الاصول موجودة ، وكذلك الحال في المقام ؛ فإنّ قاعدة لا ضرر لا تصير لغوا لو لم تكن الأدلّة المثبتة للأحكام موجودة ؛ فإنّ معناها أنّ الحكم الضرري غير مجعول في الأحكام الواقعيّة للشارع ، وهذا أعمّ من أن يكون على تلك الأحكام أدلّة في مقام الإثبات أم لم يكن.
وعلى هذا فكما أنّ مفاد دليل وجوب الوضوء مثلا بحسب الإطلاق أنّ وجوب الوضوء الشيني يكون من الأحكام الواقعيّة ، كذلك مفاد قاعدة لا ضرر بحسب الإطلاق أيضا أنّ نفي وجوب هذا الوضوء يكون من الأحكام الواقعيّة ، وإنّما يتمّ هذا الوجه في ما إذا كان الدليل الحاكم نافيا لموضوع من الموضوعات الخارجيّة كما في قوله : «لا شكّ لكثير الشكّ.»
ووجه تماميّته في هذه الصورة أنّه لا يمكن أن يكون نفي الموضوع الخارجي باعتبار نفسه ، بل لا بدّ أن يكون باعتبار أثره ، والنفي باعتبار الأثر أيضا فرع شمول الأثر لهذا الموضوع ، كما هو واضح.
وحينئذ فإن كان شمول الأثر بحسب عالم الثبوت بأن يكون الموضوع واجدا للأثر واقعا فصار منفيّا عنه بنفس النفي يلزم حينئذ أن يكون النفي نسخا وهو خلاف المراد في تلك العبارات قطعا ، فتعيّن أن يكون الشمول باعتبار عالم الإثبات بأن يكون هناك قاعدة ظاهريّة وكان حكمها منسحبا في هذا الموضوع بالعموم أو الإطلاق ، فقولك : لا رجال ، يكون باعتبار القاعدة الظاهريّة الموجودة في أفراد الرجال في عالم الإثبات ، وقوله : «لا شكّ لكثير الشكّ» يكون باعتبار القاعدة الظاهريّة الموجودة في الشكوك في مقام الاثبات ، مثل كون حكم الشكّ بين الأربع والاثنين كذا ، وبين الثلاث والأربع كذا ، وغيرهما.
ومن هنا يعرف تماميّة هذا الوجه في قاعدة لا ضرر بناء على الاحتمال الذي اختاره بعض الأساتيد قدسسره ؛ فإنّ نفي الموضوع الضرري أيضا إنّما يكون باعتبار القاعدة الظاهريّة الموجودة في أفراد يكون فيها الموضوع الضرري في