أنّ الانتقاض مع عدم المقتضي مناسب ، وإن أردت أنّ الهيئة المفيدة للتحريم غير مناسبة مع الانتقاض القهري وإنّما يناسب مع النقض الاختياري ، فهذا مشترك الورود بين نفس اليقين وبين المتيقّن مع وجود المقتضي ، ألا ترى أن حياة زيد لا يصحّ النهي عن نقضها لاحتمال حصول انتقاضها قهرا بغير اختيار المكلّف؟ فكما تقول هناك في توجيه الهيئة بأنّ المراد هو النقض العملي ، نقول هنا بذلك.
وبالجملة فلا فرق بين نفس اليقين وبين المتيقّن لا في مناسبة المادّة ولا في عدم إمكان إبقاء الهيئة على ظاهرها ، وتعيّن توجيهها بإرادة النقض العملي ، وحينئذ فلا يكون رفع اليد عن ظاهر لفظ اليقين وتخصيص الرواية بالشكّ في الرافع إلّا أكلا من القفاء.
فإن قلت : نعم ، ولكن لا بدّ من حمل اليقين على المتيقّن ؛ إذ على تقدير حمله على وصف اليقين كان عدم نقضه عملا عبارة عن ترتيب الآثار العمليّة الثابتة لوصف اليقين ، وهو خلاف المراد في مورد الرواية قطعا وأجبني عن الاستصحاب أيضا ؛ فإنّه عبارة عن ترتيب آثار المتيقّن ، فلو كان لليقين بالوضوء أثر عملي كالتصدّق بدرهم فاستصحاب الوضوء عبارة عن ترتيب أثر نفس الوضوء من جواز الدخول في الصلاة بلا وضوء ، لا عن ترتيب أثر اليقين به.
قلت : إذا نسب شيء إلى اليقين فذلك يمكن بوجهين ، الأوّل : ملاحظة اليقين على وجه الصفتية ، والآخر ملاحظته على وجه الطريقيّة ، فإن لوحظ على الوجه الأوّل كان متمحّضا في آثار نفس اليقين ، فلو قيل : عامل معاملة من هو على يقين من وضوئه ، ولوحظ اليقين بهذا الوجه كان المعنى : تصدّق بدرهم إذا كان أثر اليقين بالوضوء ذلك ، وإن لوحظ على الوجه الثاني كان متمحّضا في آثار المتيقّن ، فلو قيل الكلام المذكور ولوحظ اليقين بهذا الوجه كان المعنى : ادخل في الصلاة بلا وضوء.
وحينئذ فحيث إنّ ظاهر لفظ اليقين ملاحظة على وجه الطريقيّة ، وقرينة مورد الرواية أيضا شاهدة بذلك كان لفظ اليقين في الرواية متمحّضا في آثار المتيقّن ، فتحصّل من مجموع ما ذكرنا تماميّة دلالة الرواية الصحيحة على حجيّة الاستصحاب