الرجوع إلى الأصل في الشبهات الحكميّة إنّما هو بعد الفحص عن الدليل واليأس عنه ، والأمر في هذا المقام ليس بهذا المنوال ؛ لأنّ الأدلّة الموجودة في هذا المقام تكون بحيث لو راجعها الكتابي وجانب العناد لما يشكّ في تعيّن العمل بأحكام الشريعة اللاحقة.
ويتوجّه عليه على الثاني ـ أي على تقدير إرادته إلزام المسلمين كما يشهد بذلك قوله: فعلى المسلمين كذا ـ أنّا (١) معاشر المسلمين إنّما نقرّ بنبوّة موسى أو عيسى من جهة الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله والقرآن الناطق بنبوّتهما ، ولو لا الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله لما كان للإقرار بنبوّتهما طريق أصلا ، لانحصار الطريق للإقرار بنبوّتهما في الإقرار بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولا محالة يكون المقرّ به حينئذ نبوّتهما المغيّاة بمجيئي محمّد صلىاللهعليهوآله ، وأمّا النبوّة الباقية بعد مجيئهصلىاللهعليهوآله فلسنا مقرّين بها من أوّل الأمر ، لعدم طريق إليها ، بل لوجود الطريق إلى عدمها ، وحينئذ فكيف تلزمنا أيّها الكتابي بهذا الاستصحاب والحال أنّا لسنا بقاطعين في فرض ، ولسنا بشاكّين في فرض آخر ؛ إذ مع حفظ الإقرار بنبوّة نبيّنا ليس لنا شكّ لاحق ، ومع رفع اليد عنها ليس لنا يقين سابق ، ولا يخفي أنّ ما ذكرنا هو مراد مولانا الرضا صلّى الله عليه بجوابه المتقدّم عن الجاثليق.
__________________
(١) فإنّ معرفة النبوّة الشخصيّة إنّما يحصل بمعرفة آثارها وهي صدور المعجزات من شخص المدّعي ، وطريق معرفة ذلك منحصر في النقل القطعي وهو في حقّ أمثالنا ممّن يبعد عصره من تلك الأعصار منحصر في التواتر ، وحينئذ فإن ادّعوا وجود التواتر في نبوّة موسى أو عيسى دون نبيّنا عليه وعلى آله وعليهماالسلام نقول : علينا بإتيان فوق ما أتيتم به من الأخبار ، فإن أفاد القطع فليفد كلاهما ، وإن لم يفد فلا بدّ أن لا يفيد كلاهما ، ففي تقدير لا يقين سابق ، وفي آخر لا شكّ لا حق ، وهذا مما شاة معهم ، وإلّا فلا تواتر على ثبوتهما غير التواتر القائم على نبوّة نبيّنا عليه وآله وعليهاالسلام ، فإنّه بضميمة تصديقه صلىاللهعليهوآله لنبوّتهما عليهماالسلام مفيد لنبوّتهما ، وحينئذ فالنبوّة التي إثباتها طفيل لإثبات نبوّة اخرى كيف يرفعها بالاستصحاب.