بمعنى عدم ترتيب آثار القبيح ، لا مطلقا حتّى بالنسبة إلى ترتيب آثار الحسن ، وعدم الواسطة إنّما هو بين الحسن والقبيح ، لا بين حرمة ترتيب آثار القبيح ووجوب ترتيب آثار الحسن ، فيمكن أن يكون ترتيب آثار القبيح حراما ولا يجب ترتيب آثار الحسن ، ويجوز التوقّف من هذه الجهة ، كما يشهد بذلك أخبار أخر.
ومنه تظهر الخدشة في التمسّك بقوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) بتقريب أنّ ظنّ السوء إثم وإلّا لم يكن شيء من الظنّ إثما ، ولا يمكن أن يكون الأمر بالاجتناب متوجّها إلى نفس الظنّ ، لعدم اختياريّته ، فيتعيّن صرفه إلى ترتيب آثار السوء ، وبضميمة عدم الواسطة بين حرمة ترتيب آثار السوء ووجوب ترتيب آثار الحسن يتمّ المطلوب.
وأضعف من ذلك الاستدلال بقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فإنّ التمسّك بهما في المقام الذي تكون الشبهة فيه موضوعيّة تمسّك بالعام في الشبهة الموضوعيّة.
نعم الإنصاف قيام السيرة أعني سيرة العقلاء لا خصوص المسلمين على هذا الأصل في العبادات والمعاملات في الجملة ، وأنّ المحمول عليه عندهم هو الواقعيّة لا الفاعليّة بمعنى الصحّة باعتقاد الفاعل ، ألا ترى أنّهم يقتدون بالإمام ولا يتفحّصون عن صحّة قراءته ووجود سائر شرائط الصلاة فيه ، وكذلك لا يتفحّصون عن حال الصفوف الفاصلة بينهم وبين الإمام ، وكذلك لا يتفحّصون عن صيغة الطلاق الصادر عن الغير وعقد النكاح الصادر عنه وعقود المعاملات الصادرة عنه من حيث اشتمالها على الشروط المعتبرة فيها وعدمه ، مثل البلوغ والعربيّة وحضور العدلين ونحو ذلك.
نعم لمّا كان هذا الدليل لبيّا يقتصر فيه على المتيقّن ، فالمتيقّن منه صورة الجهل بحال الفاعل من حيث كونه عالما بالمسألة أو جاهلا ، وعلى تقدير العلم مخالفا لاعتقاد الجاهل أو موافقا ، وصورة العلم بكونه عالما وموافقا ، فيبقى صورة العلم