دليل نفي الضرر ونحوه كما لا يخفي ، ولكنّه غير ممكن الانطباق على ما نحن فيه من أدلّة الأمارات والاصول ؛ فإنّه مبنيّ على أن يكون مفاد دليل اعتبار الأمارة تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع ، وتنزيل الشكّ معها منزلة العدم واليقين حتّى يكون مرجع التنزيل الثاني إلى نفي الآثار المجعولة للشكّ ، فيكون معنى «صدّق العادل» : اعمل بمفاد قوله وألق احتمال الخلاف ، ومن المعلوم أنّ مؤدّى دليل الاعتبار ليس إلّا تنزيل مؤدّى الأمارة منزلة الواقع من دون تعرّض لحال احتمال الخلاف ، مثلا لو أخبر البيّنة بأنّ هذا نجس ، فمفاد دليل الاعتبار أنّه نجس واقعا من دون تعرّض لأنّ احتمال الطهارة يكون كالعدم.
وبالجملة ، تقريب الحكومة متوقّف على استفادة هذين التنزيلين من دليل الأمارة ، وهو إمّا غير معقول ؛ لاستلزمه اجتماع اللحاظين المتنافيين ـ كما مرّ تفصيله في مبحث القطع ـ وإمّا لا يمكن استظهاره من دليل الأمارة ، فمفاده تنزيل المؤدّى ليس إلّا ، كما أنّ مفاد دليل الأصل أيضا تنزيل حكمه منزلة الواقع ، فمن هذه الجهة لا فرق بينهما ، فمفاد جميع أدلّة الاعتبار مفاد قوله : «العمري وابنه ثقتان ، ما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان» وهو التنزيل منزلة الواقع فقط ، وأمّا قوله : «لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يؤدّي عنا ثقاتنا» فليس مفاده إلّا نفي التشكيك من جهة الأخذ بقوله ، لا رفع التشكيك من جهة الواقع بمعنى رفع آثاره.
وحينئذ لا بدّ لوجه التقديم في ما نحن فيه من التماس طريق آخر ، فنقول : كما أنّا قد قلنا في مبحث القطع بأنّ القطع المأخوذ في الموضوع قد يؤخذ على وجه الطريقيّة ، وقد يؤخذ على وجه الصفتيّة ، والمراد بالأوّل هو الجامع بين القطع وسائر الطرق ، وهو مطلق انفتاح باب الواقع والتمكّن منه ووصول اليد إليه بحيث أمكن المكلّف أن يقول : هذا هو الواقع ، سواء كان بطريق وجداني أم عقلائي ، أم شرعي ، والمراد بالثاني خصوص الكشف التامّ المانع عن النقيض ، كذلك الشكّ