ونجاسة الماء من أوّل الأمر ملازمة اتفاقيّة ، فعلم أنّه لو قدّم استصحاب النجاسة في الثوب كان الشكّ في طهارة الماء محفوظا ، ولو قدّم استصحاب الطهارة في الماء كان الشكّ في نجاسة الثوب إمّا معدوما ، أو بمنزلة المعدوم.
الوجه الثاني : وهو أنفع ممّا تقدّم ؛ لأنّه لو قلنا بحجيّة الأصل المثبت أو بحجيّة الاستصحاب من باب الظنّ ـ كما هو قول مشهور الأصحاب رضوان الله عليهم ـ أمكن إثبات نجاسة الماء باستصحاب نجاسة الثوب ، فيجري فيه الكلام المتقدّم من الحكومة على تقدير أخذ الشكّ صفة ، والورود على تقدير أخذه بمعنى عدم الطريق ، فيكون الحال في الاستصحابين على السواء.
وأمّا هذا الوجه الذي نذكره فيتمّ على هذين القولين أيضا ، وهو أنّ الشكّين الذين أحدهما معلول للآخر بالنسبة إلى حيازة حكم لا تنقض ليسا بأقوى من العلتين التامّتين العقليين في حيازة معلول واحد ، ولا شكّ أنّ العلّتين العقليّتين يتقدّم أسبقهما رتبة عند تواردهما على معلول واحد ، ولا يزاحم بالعلّة الاخرى قطعا ، فكذا الحال في المقام.
أمّا القسم الثاني وهو ما إذا كان كلّ من الشكّين مسبّبا عن ثالث كما في صورة العلم الإجمالي بارتفاع أحد الحادثين أو الحادثات فله صور :
الاولى : أن يلزم من إجراء الأصل في جميع الأطراف مخالفة قطعيّة عمليّة بأن كان العلم الإجمالى متعلّقا بثبوت التكليف ، والأصل على نفيه في جميع الأطراف ، كالعلم بنجاسة أحد الطاهرين.
والثانية : أن يلزم من إجراء الأصل في جميع الأطراف مخالفة الإجماع ، كما في مسألة الماء المتمّم والمتمّم بناء على الإجماع على اتّحاد حكم الماءين المتحدّين ظاهرا وواقعا.
والثالثة : أن لا يلزم من العمل بالأصل في جميعها مخالفة عمليّة قطعيّة ولا مخالفة الإجماع ، ويرتّب الأثر على الأصل في جميع الأطراف ، كالعلم بطهارة أحد النجسين ، وكما لو توضّأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول ، حيث يحكم ببقاء الحدث وطهارة البدن من الخبث معا بالاستصحاب.