وثانيا : اللازم من هذا هو القول في المتباينين الذين لا حيرة في معناهما لو قطعنا عن صدورهما بأن كان كلّ منهما في جهة نصّا وفي اخرى ظاهرا ، مثل «ثمن العذرة سحت» و «لا بأس بثمن العذرة» حيث إنّ الأوّل نصّ في عذرة غير المأكول وظاهر في المأكول ، والثاني بالعكس ، فاللازم الاكتفاء بهذا وعدم عدّهما من المتعارضين الذين نرجع في علاجهما إلى أخبار العلاج ، مع أنّهم لا يلتزمون به ، وثالثا : لا نسلّم التقدّم الرتبي ؛ إذا المسلّم تقدّم سند كلّ على دلالة نفسه ، وأمّا على دلالة صاحبه فممنوع ، فيقع التعارض بين سند الخاص وظهور العام.
لا يقال : إمّا أن نقول بأنّ المعتمد في باب الظواهر أصالة عدم القرينة أو أنّه أصالة الظهور ، والأوّل أصل عقلائي ، والمراد به أنّ الطبع الأوّلي للفظ وإن كان هو الاستعمال في معناه وإرادة معناه منه ، ولكن تغيّر عن هذا الطبع وصار لكثرة استعماله مع القرينة في غير معناه بلا كشف ، نعم تحقّق الكاشف له بوصف التجرّد ، فموضوع الكاشف هو اللفظ المجرّد ، وعند الشكّ في حصول هذا الوصف وعدمه يبنون على تحقّقه وعدم القرينة ، والثاني أمارة عقلائية والمراد به واضح.
وحينئذ نقول : لو أخذنا بسند الخاص يتحقّق لنا لفظ ناصّ على خلاف مدلول «أوفوا بالعقود» مثلا بعمومه ، ولو أخذنا بعموم «أوفوا» لم يتحقّق لنا لفظ دال على خلاف «خذ بقول الثقة» نعم لازم الأخذ به رفع اليد عن قول ثقة خاص وهو غير الدلالة اللفظيّة في قباله ، ومعنى حجيّة عموم دليل السند أنّ احتمال عدم كون هذا القول قول الإمام مطروح ، وهذا الاحتمال هو الذي حكم عليه في جانب «أوفوا» بأنّه يجب العمل بعمومه ؛ فإنّ مفاد الأصل العقلائي في «أوفوا» أنّه يجب العمل على هذا العموم ما دمت محتملا لوجود القرينة على خلافه وعدمه ، فإذا حكم بمقتضى الأوّل يطرح احتمال عدم القرينة فمعناه رفع اليد عن هذا الحكم المرتّب عليه فيتحقّق الحكومة.
هذا بناء على الأوّل ، وأمّا بناء على الثاني فأصالة الظهور حجّة مقيّدة بعدم القرينة على خلافها ، فوجود القرينة رافع لموضوع حجيّتها ، فيتحقّق الورود.