الشرعي وهو البراءة الشرعيّة ، وبيانه أن يقال : إنّ الاطّلاع على الطريق وإن كان متأخّرا إلّا أنّه كان حجّة على المكلّف من السابق ، فإنّه كان خبرا صحيحا مثلا مدوّنا في الكتب ، وكان سبب عدم اطّلاع المكلّف عنه تقصيره في الفحص ، فكان الطرف الذي قام عليه الطريق غير محلّ للبراءة من زمان حصول العلم ، بل وقبله ، فكان عدله محلا لها ؛ فإنّ وجه عدم الأخذ بالبراءة الشرعيّة في أطراف العلم الإجمالي مع الجهل بحكم كلّ واحد منها شخصا هو لزوم المخالفة القطعيّة من الأخذ بها في الجميع ، ولزوم الترجيح بلا مرجّح من الأخذ بها في واحد دون واحد ، وأمّا إذا لم يكن البراءة في أحد الأطراف جارية لوجود الحجّة فيه فلا مانع من الأخذ بها في الطرف الآخر ، لسلامته من المحذورين.
والثاني : هو التمسّك في رفع التنجيز عن الطرف الآخر بالبراءة العقليّة ، وبيانه أن يقال : لا يشترط في بقاء التنجيز الذي هو أثر العلم الإجمالي في الأزمنة المتأخّرة بقاء الإجمال والترديد في النفس في كلّ واحد واحد من الأزمنة المتأخّرة ، فلو وقع قطرة دم على معيّن من الإنائين الذين علم بنجاسة أحدهما فحينئذ وإن كان صورة الإجمال زائلة عن النفس بالفعل بمعنى أنّه لا يجد الإنسان في نفسه في هذا الحال العلم بأنّ النجس إمّا هذا وإمّا ذاك ، بل يجد فيها العلم بنجاسة المعيّن مفصّلا والشكّ في الآخر ، إلّا أنّ التنجيز بمجرّد ذلك لا يرتفع عن الإناء الآخر ، بل يشترط في بقاء التنجيز في الأزمنة المتأخّرة أنّ المكلّف في كلّ واحد واحد من الأزمنة المتأخّرة كان بحيث لو لاحظ الزمان السابق وجد في نفسه الإجمال والترديد فعلا بلحاظ الزمان السابق ، كما في مثال وقوع القطرة ، فإنّ صورة الإجمال بالنسبة إلى ما قبل وقوعها محفوظة في النفس ، بمعنى أنّ المكلّف لو لاحظ ما قبل وقوع القطرة وجد فعلا في نفسه العلم بأنّ النجس كان في ذاك الزمان إمّا هذا وإمّا هذا.
فلو حدث للمكلّف حالة انهدم بسببها بنيان الإجمال من أوّل زمان حصوله بأن يسري الشكّ والتفصيل من الزمان المتأخّر إلى الزمان المتقدّم ارتفع التنجيز عن