إن قلت : كيف فهم السائل هنا من صيغة «أفعل» ما ذكرت ولم يفهمه السائل في المقبولة.
قلت : إذ في المقبولة معلوم أنّه عليهالسلام بمقام ترجيح أحد الحكمين على الآخر ، والحاكم يعتبر فيه العدالة ، فلا يحتمل «أفعل» فيها غير معنى التفضيل ، وبالجملة ، أظنّ أنّ بما ذكرنا يرتفع التنافي بين جميع أخبار الباب ، والله الموفّق للصواب.
ومن الغريب ما وقع في الكفاية في هذا المقام حيث إنّه استشكل في الاحتجاج بالمقبولة والمرفوعة على وجوب الترجيح في مقام الفتوى بقوّة احتمال اختصاص الترجيح بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة قال كما هو موردهما ، ولا وجه معه للتّعدي منه إلى غيره كما لا يخفى ، ولا وجه لدعوى تنقيح المناط مع ملاحظة أنّ رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استندا إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلّا بالترجيح ، ولذا أمر عليهالسلام بإرجاء الواقعة إلى لقائه عليهالسلام في صورة تساويهما في ما ذكر من المزايا ، بخلاف مقام الفتوى ، ومجرّد مناسبة الترجيح لمقامها أيضا لا يوجب ظهور الرواية في وجوبه مطلقا ولو في غير مورد الحكومة كما لا يخفى ، انتهى.
وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، ووجه الغرابة أنّه قدسسره جعل في ظاهر كلامه الذي نقلنا مورد المرفوعة أيضا مقام الحكومة لرفع الخصومة ، مع أنّك تعلم بعدم إشعار فيها بذلك ، نعم في ذيل كلامه الذي لم ننقله دلالة على اختصاص ذلك بالمقبولة.
وبالجملة ، هذا حال أدلّة الترجيح ، ثمّ لو فرض الأخذ بمرجحيّة الشهرة والصفات أيضا فلا بدّ من رفع اليد عن الترتيب بينهما بواسطة اختلاف ما بين المرفوعة والمقبولة في ذلك الكاشف عن كون كلّ واحد مرجّحا مستقلّا بدون اعتبار ترتيب في البين ، وأمّا على ما اخترنا من انعزالهما عن سمت المرجحيّة وأنّ المرجّح منحصر في موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامّة ، فالحقّ فيهما الترتيب بتقديم الاولى على الثانية ؛ لظهور قوله عليهالسلام في بعض الأخبار : فإن لم تجدوا ، وكذلك المقبولة في ذلك ، هذا.