وممّا ذكر يعرف حقيقة الحال في المرفوعة أيضا من حيث الإرجاع إلى ما اشتهر بين أصحابك ، فإنّه يجري فيها جميع ما ذكر في المقبولة حرفا بحرف ، نعم هي خالية عن التعليل والاستشهاد ، لكن ظهور مادّة الاشتهار بحاله ، ويجري في قول السائل فيها أيضا بعد ذلك : أنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم ما ذكر في المقبولة.
فيبقى الكلام في المرفوعة من حيث الإرجاع بعد ذلك إلى الصفات ، فبذلك يخالف المقبولة وسائر الأخبار ، ومحصّل القول فيه أيضا أنّه حيث فرض السائل استواء الخبرين من حيث الجهة المذكورة في كلام الإمام عليهالسلام ، وهو لا يتحقّق إلّا باستواء عدد المخبرين بأن روى مثلا هذا الخبر عشرون رجلا ، وروى ذلك عشرون آخرون ، ولكن لم يفرض كالسائل في المقبولة كون المخبرين ثقات أرجعه الإمام عليهالسلام إلى صفات الراوي والأخذ بما كان راويه ثقة.
ف «أفعل» في كلامه عليهالسلام نظير «أفعل» في قولك : الإسلام خير وأحسن لك من الكفر ، وبالجملة ، استعمال «أفعل» في مقام اريد به اتّصاف أحد الشيئين بوصف وخلوّ الآخر عنه رأسا شائع ، وهذا وإن كان في مقابل التفضيل الحقيقي خلاف الظاهر ، ولكن ملاحظة كلام السائل حيث فرض اتّصاف الراويين بأصل العدالة والثقة يشهد بأنّ المراد في كلام الإمام عليهالسلام أيضا ذلك ، وإلّا فإن كان مراده عليهالسلام اختلاف المرتبة بعد الاشتراك في أصل الصفة لناسب التعبير بالمساواة في الرتبة والفضيلة كما عبّر كذلك في المقبولة.
وبالجملة ، بعد التعبير بما في المرفوعة عن الاستواء في المرتبة مع شيوع استعمال «أفعل» في المقامات التي اريد إثبات أصل الصفة كما يقال : الله تعالى أصدق قولا وأوثق وعدا من الشيطان وغير ذلك يعيّن الحمل على ما ذكرنا ، فيكون المراد في هذه الفقرة أيضا هو الإرشاد إلى ما هو الحجّة والردع عمّا ليس بحجّة ذاتا ، يعني انظر في حال هؤلاء الرواة لهذا ، وهؤلاء الرواة لذاك ، فإن كان إحدى الجماعتين ثقات والاخرى فسّاقا أو مجهول الحال فخذ بخبر الجماعة الاولى ، فيكون أوّل المرجّحات الخبريّة في المرفوعة مخالفة العامّة ، كما كان في المقبولة موافقة الكتاب ومخالفتهم.