الداعي للمنع عن مقتضى الضرر فلا يضرّ تركه بصدق النفي على وجه الإطلاق.
وحينئذ فنقول : إيجاب الدفع عن الغير بإضرار النفس ضرري على الدافع ، وعدمه ليس ضرريّا على الغير بحيث شمله القاعدة ، فلا معارضة ومزاحمة هنا أصلا ، هذا.
ويمكن دفع الإشكال في صورة توجّه الضرر الى النفس بأنّ الحكم بإيجاب التحمّل والمنع عن الدفع بإضرار الغير من شئون المزاحمة واختيار الأخفّ.
توضيح ذلك أنّه لا شكّ أنّا في مبغوضات أنفسنا التي ملاكها معلوم لنا لو دار أمرنا بين ارتكاب واحد من المبغوضين المتساويين في الملاك كقتل واحد من ابنينا المتساويين في المحبوبيّة لنا ، ولكن كان طرف الترديد قتل أحدهما بمباشرتنا وتسبيبنا لأسباب القتل ، وقتل الآخر بمباشرة غيرنا وعدم المنع منّا لمباشر القتل مع قدرتنا على المنع لو لا المزاحمة ، فلا شكّ أنّا نختار الثاني ، فإنّ استناد القتل فيه إلينا استناد المعلول إلى عدم المانع ، وفي الأوّل إلى المقتضي ، والثاني أقوى من الأوّل.
إذا تقرّر هذا فنقول : الأمر في مقامنا الذي دار فيه أمر الشارع المقدّس بين منع المالك عن دفع السيل وبين عدم منعه عنه مع وجود المقتضي للدفع وإضرار الجار فيه ، والأوّل حكم ضرريّ بالنسبة إلى المالك ، والثانى بالنسبة إلى الجار ، نظير الأمر في المثال الذي ذكرنا وإن كان ليس مثلا له.
توضيح ذلك أنّ منع الشارع عن الدفع مع وجود المقتضي لضرره وهو السيل يوجب استناد الضرر إليه مع الواسطة ، فإنّه معلول المقتضي وهو السيل ، وعدم المانع أعني عدم دفع المالك ، وهذا العدم معلول لمنع الشارع ، فمنع الشارع علّة لعلّة الضرر ، لا نفس علّة الضرر.
وأمّا عدم منعه عن الدفع المذكور مع وجود مقتضيه وهو الداعي في نفس المالك يوجب استناد ضرر الجار إليه بلا واسطة ؛ فإنّه معلول المقتضي وهو داعى المالك ، وعدم المانع وهو عدم منع الشارع ، فعدم منع الشارع نفس علّة الضرر ، ولا شكّ أنّ المتعيّن عند دوران الأمر بين استناد المبغوض استنادا قريبا وبين الاستناد البعيد هو اختيار الثاني ، هذا.